بقلم: نشوى الحوفى
بعيداً عن حال القنوات الإخبارية وتغطياتها التى لم تعد تركز إلا على أخبار كورونا كفيروس بات يرعب العالم العاجز أمام سرعة انتشاره كالنار فى الهشيم، وبعيداً عن نكات البعض على مواقع التواصل الاجتماعى الذين يدمنون السخرية حتى ولو كان على حساب أوجاع الآخرين، وبعيداً عن هلع البعض الذى تحوَّل إلى فوبيا كورونا تصرخ فى وجه كل من يتحدث بالمنطق، وبعيداً عن هموم المواطن البسيط فى كل العالم بما فيها بلادى حينما يسمع أخبار كورونا وضحاياه من مرضى أو وفيات أو متعافين وما يترامى لسمعه من أخبار اللقاحات والعلاجات المنتظرة التى يتم تجريبها. بعيداً عن كل هذا أجدنى أتساءل: وأين بقية القضايا التى كانت تشغل بال العالم قبل أسابيع من تفشِّى كورونا وكانت مصدر حكاويهم وتندراتهم وسبابهم فى بعض الأحيان؟
أين خلافات واشنطن والصين التجارية وهل يُعقل أن يتمخض فرض الضرائب والجمارك على البضائع بين البلدين -المستمر منذ أكثر من عام والمُهدد بحرب تجارية تؤثر على العالم- فتلد تلاسناً بالألفاظ بين الصين التى يتهم متحدث خارجيتها أمريكا بنشر فيروس كورونا عن طريق جيشها، وبين أمريكا التى يحبذ رئيسها منح الفيروس الجنسية الصينية على الملأ فى مكايدة غير خافية؟
أين إيران وملفها النووى الذى عشنا مهزلته على مدار ما يزيد على ربع قرن من الزمان ما بين اتهام بامتلاك النووى وفرض عقوبات، مروراً بمباحثات وعقد اتفاق عرف باسم «5+1»، انتهاءً بنقض أمريكا للاتفاق منذ عام ونصف وإعادة فرض العقوبات. أين إيران وملفها النووى الذى بات أضعف من كورونا فغطت أخبار وفياته فيها على كل نووى؟
أين الاتحاد الأوروبى ومداواته لوجع الخروج البريطانى وإصراره على التمسك بوحدته التى يضمن بها كتلة القارة العجوز؟ أين خلافات الساسة فيه مع تركيا التى ابتزته وفتحت للاجئين على أراضيها الحدود لتعلن غضبها من تخاذل الاتحاد فى نصرتها فى إدلب السورية؟ أين اللاجئون على حدود الاتحاد الأوروبى وفى بعض دوله؟ أين قضايا تراجع التجارة وتناقص نسب النمو وزيادة نسب البطالة والعلاقات الدولية مع العالم وتنفيذ اتفاق برلين فيما يتعلق بليبيا؟ هل صار «كورونا» أقوى من هموم الأوروبيين؟
أين «طالبان» واتفاقها المختل مع واشنطن للسلام؟ أين «القاعدة» فى أفغانستان؟ أين تنظيم الإخوان وشركاه حول العالم؟ أين إسرائيل وقضية القدس والمستوطنات والأرض المنهوبة؟ أين التحالف العربى فى اليمن وحربها الأهلية؟ أين لبنان وأزمته وهزيمته الاقتصادية والطائفية؟ أين العراق وبغدادها المتآكل بين طوائفها الثلاث وانتماءاتها المتعددة لمحيط وعالم يتجاذبانها؟ أين تركيا ودسائسها وتآمرها ومخططها وأوهام زعامتها؟ كيف مر خبر تعديل روسيا لدستورها ليبقى بوتين مدى الحياة؟ أين الطريق للانتخابات الأمريكية فى مطلع نوفمبر المقبل وسباق اعتاد العالم متابعته بين فيل وحمار لا بد لواحد منهما إعلان فوز شعاره؟ أين صراعات الغاز والبترول والأزمات الاقتصادية؟ أين أسعار العملات والذهب والثروات؟
أين العالم من أخباره وحكاويه وأحداثه اليومية التى لم يفارقها الصراع منذ عقود مضت اعتدنا فيها الدم ورؤية قتلاه، واعتدنا فيها القبح وملامحه، واعتدنا فيها الدمار واللجوء والنزوح وإكمال مسيرتنا فى الحياة وكأن شيئاً لم يكن. واعتدنا فيها عبارات الشجب والتنديد وبيانات الرفض وإعلانات الهدنة والنتيجة صفر للإنسان.
اختفت الكآبة أمام كآبة أكبر إلى حين إعادة توزيع الأدوار وتطوير المشاهد تمهيداً لعالم تختلف ملامحه. عالم تسود فيه القوميات الكونفيدراليات. تتحكم فيه التكنولوجيا فى التعليم والترفيه والمال. عالم لم تكن مقدماته أبداً جيدة.