على الرغم من تحفظُّى على الاستطلاع الذى أجرته قناة «بى بى سى» ونشرت بياناته مؤخراً، فإنه وجب التوقف عند الفكرة، ووجب التفكر فى مضمونها، والبحث حولها، فى ظل ما يتحدث عنه متخصصون فى بلادنا عن علاقة الفرد بالدين.
فقد أجرت قناة «بى بى سى» استطلاعاً للرأى فى عشر دول عربية شملت أراضى السلطة الفلسطينية، فى الفترة من ديسمبر 2018 وحتى مايو 2019، حول عدد من القضايا المتعلقة بحقوق المرأة والهجرة والأمن وتقبُّل المثليين جنسياً والدين.
وفقاً لبيانات القناة المنشورة على موقعها، فقد تم إجراء الاستطلاع من خلال شبكة باروميتر العرب «Arab Barometer» على نحو 25 ألف شخص.
وكما تشير أخبار القناة فقد أظهر الاستطلاع وجود تباين واسع فى الآراء حول قضايا عديدة، كان فى مقدمتها الدين.
وقال الخبر المنشور عن الاستطلاع إنه منذ عام 2013 ارتفعت نسبة الذين يصفون أنفسهم بأنهم «غير متدينين» -بغض النظر عن العقيدة التى كانوا ينتمون لها- من 8% إلى 13%.
وجاءت تونس فى المرتبة الأولى فى نسبة غير المؤمنين بالدين بنسبة فاقت 30% من نسبة المستهدفين من الاستطلاع تليها ليبيا بنحو 25%.. أما فى مصر فقد تضاعف حجم هذه المجموعة، بينما تضاعف حجمها أربع مرات فى المغرب.
أما فى اليمن فقد انخفضت فيها نسبة «غير المتدينين» من 12% فى عام 2013 قبيل اندلاع الحرب فى البلاد إلى 5% فى عام 2019.
وعلى الرغم من تحفظُّى على حجم العينة التى أعلنت عنها الـ «بى بى سى» وقدرتها بنحو 25 ألفاً فى عالم يقدَّر عدد سكانه بنحو 360 مليون نسمه، تتعدد أفكاره ومستوياته التعليمية والاجتماعية والاقتصادية، وتحفظُّى على أسباب إجراء تلك الدراسة من قِبَل الـ«بى بى سى»، إلا أن ما ذُكر فى الدراسة يحتاج التوقف والاهتمام والدراسة من قِبَل مراكز الأبحاث الاجتماعية فى منطقتنا العربية على وجه العموم ومصر على وجه الخصوص.
فعلاقة الفرد بعقيدته السماوية أياً كانت فى بلادنا جزء من تكوينه النفسى مع الخالق، وجزء من تكوينه المجتمعى الذى أدرك وجود الإله منذ آلاف السنين.
وعلى الرغم من إيمانى أن علاقة الإنسان بربه هى علاقة شديدة الخصوصية لا دخل لأحد فيها لأن الله هو من خلق وهو مَن يحاسب ويغفر أو يعاقب، فإننى أؤمن فى ذات الوقت أن انتماء الإنسان لعقيدة دينية يُعتبر جزءاً من سلامه النفسى مع محيطه ومجتمعه.
ولكن تلك الدراسة أعادت للذهن ما تداوله بعض المتخصصين فى علم الاجتماع والأمن القومى منذ سنوات ليست بالبعيدة عن زيادة ظاهرة الإلحاد بين الشباب المصرى فى السنوات الأخيرة نتيجة حيرتهم بين ما يسمعونه ممن يسمون أنفسهم رجال دين، وبين واقع لا يمت للتدين بصلة من إرهاب وتطرف وجهل وفقر.
وببعض التدقيق نكتشف أن الإلحاد تطرف فى فكر الرفض لله، بينما الإرهاب هو تطرف فى فهم أوامر الله.
وهنا مكمن الخطورة التى أتحدث عنها.
ففى ظل رفض لأوامر الله وتطرف فى فهمها وتطبيقها فى عالم يشوبه العبث والعنف، يبقى الفكر المستنير المستند على قوة الله ووجوده وعدالته وقدرته وقدره، هو ميزان الحياة.
فما بالنا لو كان حالنا بين متطرف فى تدين ومتطرف بإلحاد؟
لا أعلم خبايا تلك الدراسة الإنجليزية ولا أهدافها، ولكننى أتوقف أمام ما يجب علينا فعله لحماية عقول وقلوب أجيال تعانى الحيرة بين ما تراه وتسمعه وبين ما تعيشه واقعاً. ومن هنا كان التعليم والثقافة والإعلام والتشغيل والإنتاج والعدالة والفكر المستنير والعقل الناقد، أُسساً لما يجب العمل عليه.