بقلم - نشوى الحوفى
فى نوفمبر 1996 انطلقت قناة الجزيرة القطرية لتُحدث دوياً فى العالم العربى بأسلوب تقديم البرامج ومتابعة الأحداث وإتاحة المجال أمام كل معارض فى أى دولة عربية، عدا قطر ذاتها التى كانت خارج نطاق التغطية. وصارت الجزيرة - كما قالت - «منبر من لا منبر له». حدث هذا فى إطار تغيير قواعد السيطرة بعد حصار العراق عقب غزو الكويت وتشييد قاعدة العيديد الأمريكية فى قطر وانقلاب الابن حمد بن خليفة على والده عام 1995.
كانت الجزيرة تُدار برؤية الـ«سى آى إيه» لتمهيد الأرض لما ستصبح عليه خلال أعوام. نقلت الحدث على الهواء، فشاهدنا انتفاضات فلسطين وقتل محمد الدرة على الهواء، فتأججت المشاعر العربية تطالب باستقلال فلسطين فى مظاهرات اصطدمت بأمن البلدان المثقل بهموم فشل الحكومات، حتى صار الأمن هو العدو للشعوب لا الاحتلال الإسرائيلى! ثم اعتدنا تكرار استهداف الدم العربى بزيارات يسرى فودة لفلسطين المحتلة فى حماية إسرائيل، وإرهاب بن لادن والقاعدة، حتى كان موعدنا مع سقوط بغداد على الهواء مباشرة، ليصدق البعض منا - للأسف - أنها بادرة خير للعرب!!!
وهكذا عاشت «الجزيرة» تُعلى نبرة صوتها وسقف توقعات تغيير يتم التخطيط له فى واشنطن منذ منتصف السبعينات بين بيريجنيسكى، مستشار الأمن القومى لجيمى كارتر، وبرنارد لويس، المستشرق الصهيونى، بعد انتصار مصر على إسرائيل فى حرب أكتوبر 1973، لتفتيت المنطقة ورسمها بصياغة صهيونية، فإسرائيل لن تكبر أكثر من هذا وعلى ما حولها أن يصغر أكثر من هذا، وساعد فى ذلك فشل الحكومات العربية فى إدراك ما عليها القيام به من تطوير بنية بشرية واقتصادية وسياسية، حتى كان ما كان فى 2011 حينما حدثت الفوضى وظنت قطر أنها ملكت العالم العربى حتى تكشَّف أمرها.
فى يناير 2014 أصدر البنتاجون الأمريكى تقريراً تحدَّث فيه عن تغير معايير المعادلة السياسية بمنطقة الشرق الأوسط بعد ثورة 30 يونيو 2013 فى مصر، وذكر وقتها أن الإعلام سيكون وسيلة هامة فى استمرار تنفيذ مصالح أمريكا بالمنطقة مع ضرورة تغيير خططه والوجوه المتعاملة فيه بعد كل ما جرى منذ العام 2011 وإعلان الشعوب العربية كراهيتها لكل من هدم بلدانهم، وعلى رأسهم أمريكا وقطر وتركيا لدعمهم الكامل للإخوان.
فى 26 ديسمبر 2018 يعلن مجلس الوزراء القطرى - وفقاً لوكالات الأنباء - موافقته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنشاء مشروع المدينة الإعلامية، الهادفة لاستقطاب وسائل إعلام عالمية، وتحقيق ريادة إعلامية فى المنطقة والعالم. وإنشاء مركز بيانات عالمى لشركة «مايكروسوفت» فى الدوحة باسم «أزور للحوسبة السحابية». وهو ما يعنى استمرار تنفيذ المخطط الذى من أجله أنشئت علبة الكبريت (قناة الجزيرة) التى أشعلت العالم العربى، ولكن بتوسع فى الإمكانيات عبر استقدام قنوات من كل أطياف العالم وبمساعدة مركز بيانات لشركة مايكروسوفت التى يوجد لها مركز آخر فى تل أبيب لذات الغرض!
بالطبع علينا إدراك الكثير من هذا الخبر، أهمه حال إعلامنا العربى على وجه العموم، والمصرى على وجه الخصوص. ودعونى أحذر هنا للمرة المليون من حال إعلام مصرى بات غاية فى السوء، لا يعبر عن مهنية ولا يصنع وعياً ولا تثقيفاً ولا بناء لشخصية المصرى التى نرجوها فى ظل حرب وعى بدأت منذ سنوات طويلة.. فإعلام برامج الطهى ورغى النساء وحوارات باردة لفنانين أو مدعى ثقافة أو سياسة بوجوه فقدت مصداقيتها أو تأثيرها لا يحمى مما يخطط لنا. فهل نعى ذلك أم نكرر أخطاءنا ونستهين بقنبلة مقبلة كما استهنا بأثر علبة الكبريت فيما مضى؟
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع