بقلم: نشوى الحوفى
بتلك الكلمة «أنا عاشقة» اختتمت سارة، السيدة التى تجاوزت الأربعين من عمرها والتقتها كاميرات قناة «آر تى» الروسية فى أفغانستان، تقريراً يأخذك إلى واقع المعاناة التى تعيشها المرأة فى بلد قالوا عنه «إسلامى».
فى أفغانستان، المقدّر عدد سكانها بنحو 34 مليون نسمة والموصومة بأنها من الدول المعدمة التى تصل فيها البطالة إلى نحو 40% من عدد السكان ويقبع نحو ثلثَى سكانها داخل مربع الفقر المدقع وفقاً للتقديرات الدولية، فى أفغانستان التى تقدر زراعة وتجارة المخدرات بأنواعها المختلفة فيها بنحو ثلث الناتج القومى، وتسيطر حركة طالبان الملتحفة برداء الدين زوراً على غالبية أراضيها بفكر متطرف يحرم كل شىء ما عدا حصد أرواح الأبرياء وتجارة المخدرات المتنامية هناك، فى أفغانستان المتصارَع عليها بين قطبَى العالم والموحولة تحت احتلال أمريكى منذ العام 2002، والحاضنة لخريطة الإرهاب منذ أن وطئ أرضها بأقدامه بيرجينسكى، مستشار الأمن القومى الأمريكى فى عهد جيمى كارتر، محدثاً الجهلاء عن دعم أمريكا للمجاهدين الإسلاميين ضد الغزو السوفيتى الكافر! فى أفغانستان المسحوقة تحت نار الفساد والمصالح السياسية التى باعت الوطن واشترت النفوذ والسطوة والمال من الغرب والتطرف.. هناك فى تلك البيئة تحيا سارة الأفغانية التى تعمل كسائقة تاكسى، وهى الوحيدة فى المهنة بين الرجال.
تتأمل وجهها الخالى من ابتسامة فتعثر بين ثناياه على ملامح شقاء وصبر وكفاح من أجل لقمة عيش. لا يعنيها ما تفكر فيه أو تفعله طالبان، فما يعنيها هو الإنفاق على أسرتها الكبيرة المكونة من والدتها وأشقائها وشقيقتها الأرملة وأطفالها الصغار. تراها تقود التاكسى فى شوارع المدينة رافضة الركض خلف سيارات الأغنياء الموزعة لعطايا المال على الفقراء. تكسب فى كل ذات نهار خمسة دولارات تراها ثروتها لتعود بهم إلى بيتها راضية كما تقول. فى مشهد من التقرير تجلس فى محطة للوقود تنتظر انتهاء العمال من غسيل التاكسى الخاص بها دون أن يحصلوا منها على مقابل، ومبررهم أنها المرأة الوحيدة التى تقود «تاكسى» فكيف يحصلون على أجر منها؟
فى أفغانستان تعانى المرأة، وبخاصة فى المناطق الريفية، من قسوة الحياة والمعاملة. فإذا كان 80% من العاملين فى أفغانستان يمتهنون الزراعة، فإن 30% منهم من النساء اللاتى يقمن بمجهود لا يقل عن الرجل فى فلاحة الأرض ولكنهن لا يحصلن إلا على ثلث الأجر رغم المساواة فى الكد والتعب، كما أن المرأة قد تُضرب فى الشارع على يد أحد المنتمين لطالبان بالعصا أو الكرباج إن وجد أن الشادور الذى ترتديه لا يستر كما أمرت «طالبان»! لا تزال نسبة الفتيات المسموح لهن بالتعلم لا تتجاوز 37% من عدد الملتحقين بالتعليم. 15% فقط من نساء أفغانستان يُجدن القراء والكتابة. أما فى الحضر فالأمر أهون بعض الشىء، حيث التزم الجميع بالمدونة السلوكية التى تم سَنُّها فى عهد الرئيس الأفغانى السابق كرزاى والذى حرم على النساء الوجود مع الرجال فى المكاتب والأسواق. ورغم ذلك تجد المرأة ممثلة سياسياً فى الحكومة ومجلس النواب الأفغانى ولكنها تخضع لذات المدونة السلوكية.
توقفت مع إجابة سارة حينما سألها المذيع عن علاقتها بالرجال ولماذا لم تتزوج وما إذا كانت قد مرت فى حياتها بقصة عشق؟! تجيب بهدوء: «لم أفكر بالزواج بعد مقتل زوج شقيقتى على يد طالبان، أحمل مسئولية أسرة كبيرة، أما عن العشق فأنا عاشقة...نعم أنا عاشقة لله».
تساءلت بينى وبين نفسى بعد أن رددت إجابة سارة العاشقة لله.. أيهما أقرب لله فى هذا المشهد: من يدّعى تطبيق الدين بالعنف فيسمح بالقتل وتجارة الموت، أم من تحملت مسئولية إحياء الحياة معلنة عشقها لله؟