بقلم: نشوى الحوفى
بعيداً عن حكاية شعب متدين بطبعه، لا بد أن تتوقف أمام أسلوب تعامل نسبة لا يُستهان بها من هذا المتدين بطبعه مع حدثين مررنا بهما. أولهما فيروس كورونا المنتشر كجائحة عالمية، وثانيهما البحث المقرر من وزارة التربية والتعليم على طلاب الابتدائى والإعدادى كشرط للانتقال للسنة الدراسية التالية.
فوعى المصريين تجاه الفيروس وتفهمهم لجملة «إجراءات احترازية للوقاية»، أثبتت أن غالبيتنا يعانى نقص الوعى بكلمة «خطر». يكفى أن تتابع سلوكيات البشر لترى أن الغالبية لم تلتزم بإجراءات الحكومة ووزارة الصحة، كالعمل من المنزل لمن يستطيع والتزام الوجود فى البيت لمن لا حاجة لنزوله ومنع التزاور والتجمعات والزحام. فتخرج فى الشوارع لتفاجأ بالزحام وكأن شيئاً لم يحدث فى العالم ولا كأن خطراً يحيط بالمجتمع. يكفى أن تمر بوسط القاهرة، أو تدخل أى سوق أو سوبر ماركت يتلاحم الناس فيه لتسأل نفسك: «مَن كورونا هذا الذى يتحدثون عنه»؟ ويزداد عجبك حينما تقرر إحصاء عدد المرتدين كمامة بين جموع المتزاحمين فتعدهم على أصابعك! أو من يلتزم بمنطق التباعد على مسافة متر ممن يليه أو يتقدمه! ولذا لا تندهش حينما تسمع عن أسرة أقامت حفل سبوع لمولودها فأصيب 17 منهم بمن فيهم المولود بالفيروس وتم حجزهم فى أحد مستشفيات العزل! نعم، هى سلوكياتنا التى اعتدنا عليها ولا نفرط فيها تماماً كتلك السيدة التى وقفت أمامها وأنا أرتدى كمامة و«جوانتى» طبياً أشترى منها ورق عنب، فسحبت كيساً بلاستيكياً من جوارها لتضع به المطلوب ثم وضعت إصبعها فى فمها لتبلله ثم فركت الكيس لتفتحه بتلقائية تحسد عليها دفعتنى للصراخ فى وجهها «انتى بتعملى إيه؟» فقالت لى باشمئزاز: «جرى إيه يا حاجة صلى ع النبى خليها ع الله»! نعم هكذا ببساطة لخصت المرأة نظرية غالبية الشعب الصحية: «خليها ع الله».
وآخذك للكارثة الثانية، حينما شاهدت فيديو لتزاحم الأهالى أمام طاولة يجلس عليها رجلان أمام إحدى المكتبات فى شبرا، أحدهما يجمع الفلوس والآخر يقيد فى دفتر أمامه ويسلم السلعة التى يتزاحم الناس لشرائها. أما تلك السلعة فهى الأبحاث المطلوبة من أبنائهم فى المدرسة وتباع بسعر 45 جنيهاً للبحث! يا بلاش! فالأهالى لم تدرك أن أزمة كورونا ولجوء الوزارة لأسلوب البحث فرصة لتحويل أولادهم لبنى آدمين مفكرين باحثين عن المعلومة وأسلوب تقديمها وعرضها. الأهالى المتدينون بطبعهم -آباء ومدرسون- لم يدركوا أن ما يفعلونه غش لا يجوز بمنطق «من غشنا فليس منا» فما بالك فى رمضان الذى تُسلسل فيه الشياطين؟ الأهالى لم يفهموا تصريح وزير التربية والتعليم بأن تلك الأبحاث ليس فيها نجاح ورسوب ولكنها تقييم للتعلم. الأهالى لم يدركوا أنهم أحد أهم أسباب فشل العملية التعليمية فى مصر التى حولوها إلى عملية شهادات ونجاح ومجموع من دون صناعة الـ«بنى آدم». الأهالى لم يفطنوا أن أولادنا يتعلمون ويتربون بطريقة الإسفنجة لا بنظرية الأوامر وأن ما سيشاهدونه أمامهم سيكون نبراس السلوك، فماذا تتوقع ممن اشترى له أبوه التزامه؟ سيكبر وهو يعلم أن كل شىء لا يستطيع إتيانه يشتريه حتى لو اشترى مجهود غيره واشترى نجاحاً زائفاً. الأهالى لم يدركوا أن السنوات المقبلة لا مكان فيها لأشباه المتعلمين بفرض العولمة واحتياجات السوق للمهارات لا للشهادات. ثم كانت الطامة حينما تقرأ بعض التعليقات على الفيديو وهى تقول: «عشان وزير التربية والتعليم ينبسط ويعرف فشل قراره»! وكأن الخطأ فى قرار الوزير الساعى للحاق بعصر الثورة الصناعية الرابعة، لا خطأ الأهالى والمدرسين الفاسدين.
وهكذا يا سادة أثبت فيروس كورونا أننا نعول على وعيه لا وعينا لأنه «بعافية». وأثبت بحث الوزير حاجتنا الملحة للتربية قبل التعليم.