بقلم - نشوى الحوفى
أعلم معوقات الاستثمار فى بلادى بحكم ما صدر من تقارير وما تابعته من أسلوب أداء تتبدى فيه عناصر متداخلة تجمع بين فساد وبيروقراطية وتضارب اختصاصات، لكننى توقفت أمام ما نُشر بالمواقع الإخبارية عن تقرير «المخاطر الإقليمية على أداء الأعمال» الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى مؤخراً، الذى تناول مخاطر الاستثمار فى كل بقاع العالم، وكان من بينها الإرهاب ونقص المياه وأسعار مواد الطاقة والتضخم غير المدار، وأخيراً نقص العمالة. ورغم أهمية كل العناصر، إلا أننى آثرت التركيز على العمالة وتدريبها وتأهيلها فى بلادى.
كما يقول التقرير، فإن مصر ليست البلد الاستثنائى الوحيد فى نقص العمالة، التى يصفها التقرير كأحد أهم التحديات التى تواجه الاستثمار فى دول العالم، حسب تأكيد 12 ألفاً من رجال الأعمال فى 140 دولة. لكن فى مصر نحتاج إلى وقفة لعدة أسباب لا بد من التعامل معها مجمّعة، لأن علاجها لا تختص به جهة واحدة.
أول تلك الأسباب هو نظام التعليم بشقيه قبل الجامعى وبعد الجامعى، الذى لا يقوم على دراسة حالة السوق واحتياجاتها، ليتمكن من إعداد الطالب وفقاً له، ويزود الطلاب بمهارات تتطلبها احتياجات السوق، وهو ما يعنى ضرورة تغيير النظام التعليمى بكل ملامحه، لا لتخريج دفعات لا تحتاجها سوق العمل، لكن لتخريج ما تحتاجه سوق العمل، وهذا يحتاج إلى تضافر كل مؤسسات التعليم مع الاستثمار مع الصناعة والزراعة والتجارة مع المؤسسات المالية المختلفة والطبية، لوضع المهارات المطلوبة فى كل خريج أياً كان تخصصه، حتى لا تنتهى رحلة التعليم بالتحاق أفراد بأى مهن، حتى لو كانت غير مناسبة لمجرد إيجاد وظيفة، وفى الوقت ذاته تحديد الأعداد التى يحتاجها كل قطاع.
ثانى الأسباب يتعلق بالثورة الصناعية الرابعة التى يشهدها العالم، وتواصل حركتها بلا هوادة ولا توقف إلى حد إصدار الأمم المتحدة لتقرير غاية فى الأهمية فى نهاية شهر ديسمبر 2018، يتحدث عن عجز المنظمة الدولية عن وضع تصور للمهارات المطلوبة للعمالة فى 2030، نظراً للتقدم التكنولوجى الفائق الذى يشهده الكون، وسينتج عنه اختفاء مهن بحلول عام 2030، من بينها المحاسبون وعمال خطوط الإنتاج الضخمة والمترجمون والسائقون. وهو ما يعنى أن ما ننتجه من منتج تعليمى يجب مراجعته، فى ظل الحديث عن العمالة فى عصر التقدم التكنولوجى الضخم الذى نعيشه. على سبيل المثال، هل سنواصل إلحاق الطلاب بكليات التجارة بالأسلوب التعليمى ذاته؟ هل نحتاج إلى إغلاقها واستبدال معاهد أو كليات أخرى بها؟ هل نحن بحاجة إلى محتوى تعليمى مختلف؟ الشىء نفسه ينطبق على التعليم الفنى، واحتياجات الاستثمار، وضرورة إيجاد المدارس الفنية بالقرب من المصانع، مع توسيع نطاق التعليم الفنى الذى يصل فى بلد مثل ألمانيا إلى 300 فئة ودراسة يلتحق بها الطلاب الذين يمثلون نحو 80% من طلاب ألمانيا.
ثالث الأسباب يتعلق بالعامل نفسه -أياً كان تخصصه- فمما لا شك فيه أننا فى حاجة إلى إعادة النظر فى المنظومة الأخلاقية والتنموية والبشرية للإنسان المصرى لإعادة تنشئته على قيم كالالتزام بالمواعيد والإجادة والعمل ضمن فريق، واحترام القائد، والانتماء إلى مكان العمل. فقد باتت أخلاقيات العامل المصرى موصومة، بعكس كل ما سبق، وبات المحيط العربى يفضل عليه -ومنذ سنوات- عمالة جنوب شرق آسيا، والمحيط العالمى لا ينتقى منا سوى المميزين. أما فى مصر فباتت عملية الحصول على عمالة، حتى لو افتقدت للخبرة عملية صعبة، فى ظل انتشار ثقافة «التوك توك»، التى يفضّلها نسبة كبيرة فى يومنا هذا على العمل فى مجالات الاستثمار، نظراً لفارق الراتب والالتزام.
فهل ندرك التحدى الذى نواجهه؟
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع