بقلم: نشوى الحوفى
«يا اللللللللله يا ياسر! لقد أخذتنى بعجلة الزمن وعدت بى إلى حرم كلية الإعلام بجامعة القاهرة فى الفترة من 1987-1991 بمقالك هذا. ليست حكايات الجامعة فقط، بل حكايات الجماعة وفكر غير المأسوف عليهم من أتباعها».. هكذا كان حوارى مع ذاتى وأنا أقرأ مقال زميل الدراسة الجامعية بكلية الإعلام الأستاذ ياسر عبدالعزيز، والذى نُشر على صفحات «الوطن» وحمل عنوان: هكذا حصلت على «معالم فى الطريق».
أخذنى ياسر -مع الاحتفاظ بالألقاب- وكان يكبرنى بعام دراسى، إلى جامعة القاهرة ورونقها وهيبتها فى النفوس، ذكّرنى بمن علّمنى نقد الرواية العربية وقراءة ما بين السطور فيها معلمنا الدكتور عبدالمحسن طه بدر أستاذ الأدب، وصعدت معه سلم مبنى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، حيث كان مقر كليتنا فى الدور الرابع، قبل أن يتم بناء مبنى مستقل لها. وتجولت معه فى الوجوه التى كانت تضم ذلك الطابق من كل المستويات الاجتماعية والفكرية والسياسية أيضاً. كنا جميعاً متفوقين، فالكلية لا تقبل إلا المجاميع المرتفعة التى لا تعبّر عن الموهبة بقدر ما تعبّر عن القدرة على الاستذكار، كان الموهوبون منا فقط هم القارئون والمناقشون والباحثون عن الحقيقة حتى مع من نختلف عنهم. ومن هنا كان التميز والفهم والتجويد.
ولكن كان بيننا أيضاً مجاذيب الجماعة الإرهابية وتابعيها، الذين كان لهم سمتهم المميز بغياب النقد والفكر وترديد ما يُتلى عليهم من قياداتهم وإن فشلوا فى إقناع حتى أنفسهم به! ومن هؤلاء كان عز الدين!!
كان عز الدين يسبقنا بعام، وكان يشبه الأفغان فى مظهره -بوجهه الأسمر وشعره الناعم المفروق من الجانب ولحيته القصيرة حول ذقنه وبنطاله القصير- كان يدخل كغيره من أبناء الجماعة بين المحاضرات والسكاشن ليروّج لأفكار لا تخضع لمنطق أو مصدر موثوق به سوى جماعته.
حدث ذات يوم أن دخل علينا فى نهاية العام 1988، فوقف متحدثاً بصوت عالٍ عن كرامات المجاهدين الأفغان فى حربهم مع السوفييت، فكان مما قال أن المجاهدين تحارب معهم الملائكة ضد الدولة السوفيتية الملحدة! وأن علينا ألا نصدق أن الأمريكان يدعمون الأفغان بالسلاح ضد السوفييت، فتلك أكاذيب وشائعات يروجها طواغيت السوفييت والجُهال! فسألته مقاطعة: «ومن أين إذاً يحصل المجاهدون الأفغان على سلاح يقاومون به السوفييت؟»، فأجاب بكل ثقة -والله هذا ما حدث-: «السوفييت بيرموا القنابل على المجاهدين فما تنفجرش فيهم، فياخدوها ويرموها هما على السوفييت، فيتحقق نصر ربنا على الكفرة»!!
لم أصدق أذنىّ يومها من بشاعة الطرح لا من سذاجته فقط، فالمتحدث طالب بالسنة الثالثة لكلية الإعلام التى تدرس لطلبتها كيفية نقل الأخبار وتشكيل الرسالة الإعلامية وصياغة الخبر وفقاً لطبيعة الجمهور وفكره وثقافته وبيئته. يومها وجدتنى أرد على عز: «انت بتتكلم جد؟ يعنى ولا قنبلة سوفيتية انفجرت؟ يعنى الأمريكان اللى بندرس فى محاضرات الترجمة اللى بيديهالنا دكتور عاطف الغمرى الصحفى بالأهرام إنهم بيسلحوا الأفغان ما بيسلحوش الأفغان؟ يعنى انت مصدّق إن الملايكة بتحارب مع الأفغان اللى بيساعدهم الأمريكان؟».
بالطبع لم يُجب عز الدين على أسئلتى إلا بابتسامة الاستهزاء بالحديث والمتحدثة بنفس طريقة الإخوان والسلفيين حينما يعجزون عن رد غير مؤهلين له. وأكمل حديثه بأن النساء ناقصات عقل ودين وهذا هو النموذج الذى هو أنا!؟ فرددت عليه بأن جهله لا يقتصر على علوم السياسة وأحوالها بل يشمل علوم الدين الذى يتظاهر بفهمه.
تذكرت تلك الواقعة وأنا أقرأ مقال الزميل ياسر عبدالعزيز الذى حكى هو الآخر فيه عن مناظرة بينه وبين شاب من أتباع الجماعة حول كيف تخرج مصر من أزمتها فى العام 1990، فكان رد الممسوح عقله أن سبيل الخلاص لن يتأتى إلا بسرقة إنجازات الغرب بعد غزوه عسكرياً!! هكذا فسروا الدين.. سرقة واجتياح عسكرى تحت مفهوم باطل للجهاد. هكذا حللوا ما حرم الله من فعل سرقة واعتداء على من لم يعتد علينا باسم تفسيرهم المضلل للدين.
وتساءلت وأنا أسترجع الذكريات الجامعية لصاحب الغزو وصاحب قنابل السوفييت: أين هذان التابعان للجماعة اليوم؟ وكم مثلهم ما زال يجوب طرقات الجامعات فيغيب عقولاً ضلت طريق اليقين؟