بقلم - نشوى الحوفى
أدرك بحكم التاريخ أن بلادى شهدت أرضها حضارة قامت على حرفة الزراعة حتى باتت سلة غلال الرومان، كما أدرك كيف تناوبت على مصر سنوات طالت فيها آفاق الزراعة عنان السماء، كما حدث فى عهد محمد على، مؤسس مصر الحديثة، حين أدخل المحاصيل، واستزرع الأرض، وحدد نوعية المحاصيل، حتى صارت بورصة مصر الزراعية إحدى أهم بورصات العالم فى هذا المجال. ثم كيف تنكرنا لعبارة «مصر بلد زراعى» وكأنها سُبة، فسُقنا مبررات الرفض رغم أنه كان من الممكن أن نكون بلداً صناعياً قائماً على تصنيع ما نزرع، أو بلداً زراعياً يحقق الاكتفاء الذاتى مما ينتج، أو بلداً زراعياً يصدِّر للعالم ما ينتج. ولكن كان ما كان، وانتهينا لتجريف الأرض والبناء عليها، أو بيع طينها لمصانع الطوب، أو تركها للتسقيع فذلك أكسب أكسب.
حتى كان موعدنا مع أمل زراعة المليون ونصف المليون فدان التى أعلن عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ ثلاثة أعوام فى الفرافرة والوادى الجديد وتوشكى ومحافظات الصعيد. مشروع سعدنا به، وبخاصة مع تفنيده لدعاوى سابقة فى عهد مبارك والإخوان بأن مصر لن تزرع ولن تزيد من مساحتها لفقرها المائى، بإيجاد طرق رى بديلة عبر الزراعة على المياه الجوفية التى تقول الأبحاث إن بصحراء مصر الغربية أكبر بئر جوفية فى أفريقيا، واستحداث الطرق الحديثة فى الزراعة بنظام الصوب، وترشيد زراعة المحاصيل الشرهة للمياه كالأرز والموز وقصب السكر.
ولكننى توقفت مؤخراً عند بعض التقارير الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ووزارة التخطيط لأتساءل: هل ما نحققه فى هذا المجال كافٍ لمعدلات الزيادة فى السكان أو لمعدلات النمو المتحققة فى بقية المجالات؟ الإجابة بالأرقام جاءت بالنفى. فقد ذكر تقرير أخير للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أن نسبة الزيادة فى المساحة المحصولية المزروعة فى العام 2015 - 2016 كانت 1.1% بقيمة 15.8 مليون فدان، مقابل 15.6 مليون فدان عام 2014 - 2015. أى أن الزيادة لم تتجاوز 200 ألف فدان وفقاً للتقرير. وهو أقل من نسبة زيادة السكان السنوية فى مصر التى تقدَّر بنحو 2.6% وتساوى 2 مليون و600 ألف شخص. وهو ما يعنى الاعتماد على الواردات الزراعية لسد الفجوة المحصولية، وبخاصة فى القمح الذى تعد مصر أكبر مستورد فى العالم له.
وعلى الرغم من أن عدد فلاحى مصر حسب التقديرات يتجاوز 38 مليون مواطن، فإن أرقام آخر التقارير المتاحة عن وزارة التخطيط تؤكد أن معدلات النمو المحققة بهذا القطاع بالإضافة لقطاع الصيد، لم تتعدَّ 3.2% خلال عام 2015 - 2016 وأن مساهمته فى معدلات النمو الاقتصادى لم تتعدَّ 0.4% بما يمثل 10% من إجمالى النمو. ناهيك عن حجم الاستثمار المتواضع فى هذا المجال خلال نفس الفترة والتى لم تتجاوز 21.8 مليار جنيه بما يمثل 4.2% من جملة الاستثمارات المنفذة فى تلك الفترة.
قراءة تلك الأرقام تعنى أننا بحاجة إلى تغيير جذرى فى الاستثمار فى هذا القطاع الهام، تغيير لا يقتصر على صانع الرؤية ومنفذيها فى أعلى مستويات الإدارة، ولكن أيضاً بطفرة حقيقية فى قيادة المنظومة، والاهتمام بتفاصيلها وتنمية موارد العاملين بها وتطوير وعيهم وإدراكهم بما يجب أن يكونوا عليه، ومساعدتهم بكفاءات جادة حقيقية قادرة على التوجيه والمتابعة، ورسم خريطة متكاملة لما يجب أن تكون عليه الزراعة فى مصر، ووضع خطة للتنفيذ نلتزم بها جميعاً فى ظل زيادة سكانية لا ترحم وتطوّر فى العالم لا نعلم إلى أين يأخذنا.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع