بقلم : نشوى الحوفى
إذا كانت الصين التى بدأت نهضتها الاقتصادية الحديثة منذ العام 1978 قد نجحت فى وضع نموذجها الفريد والملهم للعديد من دول العالم النامى، بين نظام حكم يحافظ على الرؤية الشيوعية للحكم سياسياً وبين اقتصاد السوق الحر مالياً، فإنها اليوم أمام تحد كبير كما يرى خبراء الاقتصاد الدوليون الذين شاركوا فى وضع رؤيتهم فى كتاب «الصين فى السنوات الثلاثين المقبلة» الصادرة ترجمته مؤخراً عن مؤسسة الفكر العربى ببيروت.
فيقولون: «ستتزايد التناقضات بين النظامين الجديد والقديم أكثر فأكثر مع تأخر الإصلاح، حيث تتراكم مصالح أصحاب المصالح المكتسبة، الأمر الذى يجعلهم يمتلكون مزيداً من القوة المحركة لعرقلة تطوير الإصلاح، الذى قد ينال من مصالحهم، سبب وجود أنواع مختلفة من التناقضات فى المجتمع، وبخاصة سبب عدم الإنصاف فى المسائل المتعلقة بالاقتصاد، هو أن الإصلاح لم يتمّ بصورة كاملة، ولم يتمّ كإصلاح فى حد ذاته، هذا الأمر تعرفه بوضوح القيادة المركزية التى أشارت إلى أن «الوقوف والتراجع ليس لهما مخرج ولكن تعزيز الإصلاح وتطويره وتعميقه بحاجة إلى تدابير عملية وأكثر فاعلية».
وهو ما يعنى أن على الصين دعم حالة الإصلاح السياسى والاقتصادى لتحافظ على ما حققته من نسب للنمو وحركة التجارة وامتلاك القدرة على تحقيق رؤاها فى عالم المال والتجارة والقضاء على البطالة ودفع الدولة إلى مصاف الدول المتقدمة القادرة على فرض كلمتها فى عالم الاقتصاد والسياسة على حد سواء. فمركزية الإدارة المتمثلة فى الحزب الصينى الشيوعى ومؤسساته خلقت ظاهرة وصفها الكتاب باسم «رأسمالية المحاسيب» أى الذين ترضى عنهم الإدارة والقادرون على التغلغل فى مشاريع الدولة وخططها، وهو ما يخلق نوعاً من عدم العدالة، وكذلك يزيد الفجوة بين الأغنياء والأثرياء فى الصين.
وهكذا تدرك أنه وعلى الرغم مما يشيعه النموذج الصينى فى عالم نمو الاقتصاد وتحقيق طموح التقدم فيه، إلا أن تفاصيل هذا النموذج قد لا ترضى الكثيرين ممن يمدحون هذا النموذج ويدعون إليه.
ولكن ماذا عن توقعات المستقبل للاقتصاد الصينى؟ أتوقف هنا أمام مقال كانت قد نشرته جريدة فايننشيال تايمز البريطانية فى يوليو 2019، جاء فيه أن أرقام نمو الناتج المحلى الإجمالى الفصلى فى الصين يتم مراقبتها دولياً بدقة لفهم توجهات الاقتصاد الصينى مستقبلاً، وأن الحزب الصينى الشيوعى الحاكم قد وضع خطته الخمسية الـ14 لمستقبل نمو الاقتصاد خلال السنوات المقبلة، وكيف يسعى دعاة الإصلاح الليبرالى لحث بكين على التخلى عن أهداف نمو الناتج المحلى الإجمالى وإصدار التوقعات بدلاً منها لرفع العبء عن المسئولين لتحقيق هدف النمو بأى ثمن.
وأشار التقرير يومها إلى أن أهم أهداف تلك الخطة يتمثل فى تحديث المجتمع الاشتراكى بحلول عام 2035 وبناء دولة غنية وقوية بحلول 2049. كما لجأت الصين لمراجعة بعض سياساتها الاقتصادية وإنعاشها، وجاء فى مقدمتها تسهيل شروط الإقراض متوسط الأجل للشركات الصغيرة وتعزيز الإنفاق على البنية التحتية وخفض معدلات الضرائب كأساليب لتحفيز الاقتصاد، مع ملاحظة ترقب العالم لنمو هذا التنين الصينى وحربه التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية التى أثرت على حركة التجارة ونسب النمو العالميين، فى ظل إصرار صينى على توسيع نفوذها التجارى عبر زيادة الاستثمار وتعميق الشراكات الصينية مع دول العالم، ومبادرة الحزام والطريق التى ضمت 100 دولة.
يمكن القول: دفع المجتمع الصينى ثمن الإصلاح على مدار أربعة عقود تحمل فيها الدولة وفكرها بصبر ومثابرة وإذعان أيضاً فى ظل رؤية الحزب الشيوعى، ولكن كانت النتيجة مذهلة للدولة والمواطن رغم قوة الدولة وتراجع المجتمع. ليتنا ندرك ما نتحدث عنه، حينما نتساءل لماذا لا نكون مثل الصين؟