بقلم: نشوى الحوفى
لمهنة التمريض وعالمها دَين فى رقبتى وتأثير فى عمرى وود موصول لها، فقد وُلدت لأرى أمى، رحمها الله، وهى رئيسة مستشفى دمنهور التعليمى. كانت تحظى باحترام الجميع، ولها هيبة فى نفوس الكبير والصغير، الموظف والمدير. حتى كان حصولها على لقب الممرضة المثالية وتكريمها عام 1986 من حرم رئيس الجمهورية آنذاك، فى وقت كانت فيه نقيبة التمريض هى السيدة نازلى قابيل. تلك كانت أمى الرائعة التى كانت ترتدى بالطو أبيض و«كاب» على رأسها لآخر يوم فى حياتها وهى تحرص على بياضهما الناصع وكيِّهما كما يجب أن يكون ولا تسمح بتهاون أى ممرضة فى زيها.
ولذا لم أستطع تأجيل دعوة الدكتورة أمينة النمر، عميدة كلية التمريض بجامعة المنصورة، منذ أيام، لإلقاء محاضرة على شباب الكلية والجامعة حول ما تواجهه مصر اليوم من تحديات وما يجهله الشباب من معلومات وأرقام عن بلادهم واقتصادها ومسار التنمية فيها. أسعد أنا بتلك الندوات التى تسمح بالاقتراب من شباب افتقدوا الصبر من الأهل فى الرد على تساؤلاتهم كما افتقدوا الوعى من إعلام لم يعد يجذب انتباههم، فبحثوا عن كل ما هو مجتزأ من فيديوهات عبر وسائل الاتصال التكنولوجى المتعددة، لأخرج من الندوة بتساؤلات الشباب والتفافهم حولى لمعرفة المزيد وفهم الأكثر وطرح المخاوف وطلب الدعم عن مصادر تزيد وعيهم. أجيب وأستمع وأنصح وأشير وأمزح وأضرب الأمثلة وأنصرف ممتلئة بمشاعر الامتنان لكل هذه الطاقة الإيجابية.
ولكن فى تلك الزيارة -وكما هى عادة جامعة المنصورة التى لا بد أن يمنحك قياداتها جولة بين جنبات العلم والطب والبحث فيها- زاد الامتنان بجولة فى كلية التمريض مع الدكتورة أمينة النمر، لأستمع منها عما تقدمه لطلابها وعما يطمحون له، فأعلم أن الكلية تفتح أبواب التعليم فيها للشباب من الجنسين للحصول على درجة بكالوريوس، كما تقدم برنامج الدبلوم التخصصى فى التمريض عبر دراسة لمدة عامين ليعادل البكالوريوس التقنى بعد اعتماد المجلس الأعلى للجامعات، فى نفس الوقت الذى تسمح فيه للحاصلين على دبلوم المعاهد الفنية والمدارس الثانوية الفنية للتمريض بإكمال دراستهم عبر المعهد الفنى للتمريض التابع لها، كما تقوم بتدريس شهادة المجلس العربى للاختصاصات الصحية المتخصص فى تمريض الطوارئ والكوارث عبر دراسة تستمر لمدة ثلاث سنوات. وأخيراً تقوم الكلية بتدريب فئات المجتمع عبر مركز الخدمة العامة التابع لها فى دورات متعددة، مثل رعاية الأطفال المصابين بالتوحد، مجالسة المسنين، التغذية العلاجية، خياطة الجروح والإسعافات الأولية ومكافحة العدوى. وهو ما يعنى قيام الكلية بالتعليم كعملية مستمرة لتحقيق التنمية المستدامة بمفهومها الأشمل بأحدث الطرق.
ولكن، ورغم تلك الصورة المشرقة التى تمنح النفوس زهواً بأحد مراكز التعليم فى الجامعات المصرية، فإن المهنة -وكما تحدثت معى دكتورة أمينة- لا تزال تعانى الكثير والكثير، سواء فيما يتعلق بالصورة الذهنية لها، أو بالإمكانيات المتاحة للعاملين بها، فعلى الرغم من مهارات التمريض المصرى المشهود به فى مستشفيات القطاع الخاص والدول العربية، فإن الممرضة لا تزال موضع الاتهام فى المستشفيات الحكومية لإهمال أو لتراجع مستوى الصحة، دون أن يستمع أحد لشكواها فيما تتعرض له وفيما تحتاجه من إمكانيات ليكون التقييم على أساس. ومن هنا كان وعدى لها بفتح هذا الملف علناً لنرفع الأعباء عن مهنة لطالما حملت صاحبتها قديماً لقب «حكيمة».. تماماً كالطبيب الذى أطلق عليه المصريون لقب «الحكيم»، فهم ليسوا مجرد معالجين بدواء أو بجراحة، ولكنهم يمتلكون الحكمة الشافية. نعم نحتاج لفتح هذا الملف الدقيق لنرسم خطوات المستقبل.