بقلم - نشوى الحوفى
الاثنين 5 نوفمبر 2018، تبدأ المرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران، والمتعلقة بوقف تصدير البترول الإيرانى للسوق العالمية، الذى بدأ سريانه اليوم، مع استثناء 8 دول من العقوبات، بينها اليابان والهند وكوريا الجنوبية والصين، بشرط أن تقلل كل دولة منها كميات البترول المشتراة من إيران!
العقوبات الأمريكية جاءت نتيجة قرار واشنطن، فى مايو الماضى، الانسحاب من اتفاقية «5+1» المتعلقة بالملف النووى الإيرانى، والتى كانت وُقّعت فى العام 2015. وهى الاتفاقية التى تعلن أوروبا تمسكها بها ورفضها للعقوبات الأمريكية على مستوى التصريحات السياسية، بينما تمتثل شركاتها العاملة فى مجال الاقتصاد لقرار العقوبات بالانسحاب من السوق الإيرانية بما فيها روسيا، حيث أعلنت شركتان روسيتان الانسحاب من التنقيب عن البترول الإيرانى. وهو ما يؤكد التصور عن أن الموقف الأوروبى لا يعدو كونه مجرد مناورة لإبقاء الحبل الموصول مع إيران. فأوروبا، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ما هى إلا حديقة خلفية للولايات المتحدة الأمريكية، رغم تضارب المصالح فى بعض من الأحيان.
ولكن التاريخ يقول إن هذه ليست المرة الأولى التى تفرض فيها أمريكا عقوباتها على إيران عبر سنوات حكم الملالى منذ 1979. فقد جمّدت أمريكا ما يقرب من 12 مليار دولار أمريكى لإيران 1979 بسبب قضية الرهائن فى السفارة الأمريكية بطهران، ثم فرضت عليها عقوبات أخرى 1984 وقت اندلاع حرب إيران- العراق، ثم أعلنت قانون عقوبات جديدة 1995 ضد إيران وليبيا، ثم أعيدت صياغة العقوبات مرة أخرى 2006، بعد إنهاء عقوبات ليبيا. وفى 2013 أقر مجلس النواب الأمريكى، بأغلبيته، العقوبات المشددة على إيران.
ولكن كل هذا لا يعنى قطيعة بين أمريكا وإيران، وإلا كيف حققت إيران استمرار تطوير ملفها النووى، وكيف صارت قبلة لعدد من الشركات الأوروبية، كما فى صناعة السيارات، وعلى رأسها «بيجو»؟ والأهم كيف باعت أمريكا لإيران صفقات أسلحة سرية وقبضت ثمنها رغم تشديد العلاقة مع نظام الملالى عبر صفقات كان أشهرها «فضيحة إيران- كونترا» 1983، التى باعت فيها أمريكا 3000 صاروخ «تاو» وصواريخ «هوك» لإيران مقابل ملايين، كان الوسيط فيها الملياردير السعودى عدنان خاشقجى، مع عميل آخر للموساد، مقابل إفراج إيران عن 5 رهائن أمريكيين بلبنان. ومولت أمريكا بتلك الأموال ميليشيا الكونترا الدموية فى نيكاراجوا التى كان الكونجرس قد حظر تمويلها عام 1980.
كما أن العالم صحا فى العام 2014 على خبر تدفق النفط الخام من خط بترول «إيلات- عسقلان» (الذى وُقّع عقده بين إيران وإسرائيل 1968 لنقل البترول الإيرانى للبحر المتوسط ولتستفيد منه إسرائيل)، إلى محميات عبرونة شمال إيلات بعد اصطدام إحدى الآليات الهندسية به خلال قيامها بأعمال صيانة! ليكتشف العالم أن البترول الإيرانى لا يزال يصل لإسرائيل التى تفرض قانوناً من السرية على هذا الخط!
نعم، لقد تضررت إيران من تضييق الخناق اقتصادياً عليها على مدار أكثر من 30 سنة، وانخفض إنتاجها النفطى ليصل إلى 3 ملايين برميل يومياً، مع تراجع الصادرات وزيادة التضخم والجفاف والبطالة وفقدان الريال الإيرانى لما يزيد على 200% من قيمته. ولكن فى تقديرى فإن ذلك هو لعبة السياسة بين نظام الملالى وأمريكا وإسرائيل، وإلا فما دعوى استثناء 8 دول من عقوبات التعامل فى البترول الإيرانى؟ وقد كشف تلك العلاقات الكتاب الذى صدر مؤخراً فى أمريكا بعنوان «التحالف الغادر.. التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة»، للكاتب تريتا بارسى، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هوبكنز.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع