بقلم - نشوى الحوفى
على الرغم من عدم قناعتى بفكرة المجالس التى تُنشأ بشكل موازٍ لعلاج البيروقراطية فى مؤسسات الدولة، لأنها سرعان ما تتحول إلى عبء جديد على الهيكل الإدارى للدولة دون قدرة على تفتيت ترسيبات الدولة العميقة، فإننى تفاءلت بقرار الرئيس عبدالفتاح السيسى فى 2016 بإنشاء المجلس الأعلى للاستثمار برئاسته، وعضوية رئيس مجلس الوزراء، ومحافظ البنك المركزى، ووزراء الدفاع والإنتاج الحربى والمالية والاستثمار والداخلية والعدل والتجارة والصناعة، ورئيس جهاز المخابرات العامة، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية، والرئيس التنفيذى للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، ورئيس اتحاد الصناعات المصرية، ورئيس اتحاد جمعيات المستثمرين.
وتفاءلت أكثر بنشر اختصاصات المجلس التى توحى لمن يقرأها بجدية الدولة فى التعامل مع هذا الملف المهم لمستقبل البلاد. فهو مختص بمتابعة تطور تصنيف مصر فى التقارير الدورية الخاصة بالاستثمار، وتحديث الخريطة الاستثمارية على مستوى القطاعات المتخصصة والمناطق الجغرافية المختلفة فى إطار خطة التنمية الاقتصادية للدولة، ومتابعة تنفيذ أجهزة الدولة للخطط والبرامج المتعلقة بالاستثمار وموقف مشروعات المشاركة فى القطاع الخاص. ليس هذا فحسب بل يختص بوضع الإطار العام للإصلاح التشريعى والإدارى لبيئة الاستثمار، ومتابعة آليات تسوية منازعات الاستثمار وموقف قضايا التحكيم الدولى، وتفعيل المسئولية التضامنية لجميع الوزارات والهيئات العامة والأجهزة الحكومية المعنية بالاستثمار وتحقيق التناغم فى أدائها وحل الخلافات التى تثور بينها فى هذا الشأن. مع إلزام جميع الوزارات والمصالح والأشخاص الاعتبارية العامة كل فيما يخصه بتنفيذ القرارات الصادرة من المجلس.
كان المجلس فرصة بتشكيله وأعضائه وتصدر الرئيس له فى قمته لخلخلة بيروقراطية الدولة العميقة التى تُزهق الاستثمار فى القطاع الخاص وإن علا شأنه، وتُميته كلما انتمى لصغار المستثمرين فجميعهم تائه فى الدولة العميقة. ولكن استمر الوضع رغم افتتاح رئيس الجمهورية منذ عدة أشهر لمركز وزارة الاستثمار الخاص بإنهاء إجراءات المستثمرين ومطالبته يومها على الهواء المسئولين بمنحه أعداد الشركات التى فشلت فى الاستثمار وأسباب ذلك لتقييم حركة الاستثمار فى القطاع الخاص على كل المستويات.
أذكر هنا قضية شركة فاليو الفرنسية المصرية فى القرية الذكية، المتخصصة فى صناعة الكروت الذكية فى السيارات الفاخرة، والتى فوجئت فى العام 2016 بإعادة فحص ضرائبها المدفوعة عن عام 2011 ومطالبة الضرائب لها بدفع 20 مليون جنيه عن العام 2011، حاولت الشركة إثبات خطأ تقدير المبلغ فأصرت الضرائب، فلجأت الشركة لمكتب محاسبات كلفها مليون جنيه واستمر فحص الأوراق على مدار عام انتهى بأحقية الضرائب فى مبلغ 150 ألف جنيه فقط؟! لتفاجأ الشركة بعدها بأيام بخطاب جديد من الضرائب يخبرها فيه بإعادة فحص ملفها الضريبى عن العام 2012 وأحقية الضرائب فى 30 مليون جنيه لتبدأ العملية من جديد!!
وأقرأ رسالة الأستاذ إبراهيم رمضان الذى أرسل لى واقعة استثماره التائه منذ العام 2012 حينما قرر ومعه مستثمر أجنبى عمل مشروع سياحى فى إحدى المحافظات التى تسلمت مستندات تأسيس الشركة والدراسة الاقتصادية والرسومات الهندسية ووافقت عليه ولكنها أخبرتهما بعدم وجود أرض. فقاما باختيار قطعة أرض وأنهيا إجراءاتها فى المركز الوطنى لاستخدامات أراضى الدولة وتحملا كل النفقات مع 7 جهات حكومية حتى أصدر المركز قراراً جمهورياً باسم الشركة بتخصيص قطعة الأرض موجهاً إياه للمحافظة للتعاقد معهما، ولكن لم تنفذ المحافظة وماطلت. فتوجها للجنة الوزارية لفض المنازعات فأصدرت حكمها لصالحهما بعد 8 شهور فى مارس 2017 بحكم نهائى واجب النفاذ لا يسمح للمحافظة بالتظلم. ولكن المحافظة ماطلت وتظلمت وخسر المستثمران 2.5 مليون جنيه على مدار السنوات الست الماضية.
من هنا يكون السؤال الجاد: أين المجلس الأعلى للاستثمار من فوضى التعامل مع استثمار القطاع الخاص؟
وللحديث بقية...
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع