بقلم - نشوى الحوفى
علمنى أبى -من كان له الفضل فى إدراكى- أن المنطق الإلهى القائل بأنه «لا تزر وازرة وزر أخرى» هو أساس الموضوعية والحكم على الأمور لتكتمل مشاهد الصورة، ولذا فإن قرار الدولة بفتح باب استيراد الأرز بعد تقنين المساحة المنزرعة به، الذى أثار لغطاً كبيراً فى ظل غياب التوضيح، يحمل أكثر من جزئية وجب طرحها.
أولاً: يحمل القرار وضع أولوية عدم إهدار المياه وتقنين التعامل مع مواردنا منها فى الزراعة فى مكانة مهمة، وهو ما تقوم به كل دول العالم اليوم، حتى بات الخبراء يتساءلون عن جدوى زراعة أى محصول مقابل ما يحتاجه من مياه، أرقام الخبراء والمتخصصين تقول إن فدان الأرز يحتاج إلى 8000 متر مكعب من المياه سنوياً، بينما يتكلف فدان القطن والذرة ما لا يزيد على 3000 متر مكعب سنوياً، ولذا كان صدور تعديل قانون الزراعة من مجلس النواب فى أبريل الماضى بمنح وزير الزراعة قرار تقنين الزراعة وتحديد المحاصيل وتجريم زراعة المحاصيل الشرهة للمياه بغير المسموح لها، ولذا كان قرار وزارة الزراعة بتحديد المساحة المنزرعة من الأرز هذا العام بـ824 ألف فدان يقدر إنتاجها بنحو مليون و764 ألف طن، بينما يقدر حجم استهلاكنا السنوى بنحو 3 ملايين طن.
ثانياً: لا علاقة على الإطلاق لأزمة سد النهضة بهذا القرار الذى نتج عنه تخفيض المساحة المنزرعة لا منع زراعته، كما ردد البعض، فحصتنا من مياه النيل التى أعلن رئيس الوزراء الإثيوبى «أبى أحمد» فى زيارته الأخيرة لمصر بأنه لا مساس بها، تقدر منذ اتفاقية 1959 بقيمة 55 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، فهى حصة ثابتة من المياه لم تتنقص ولم تزد بينما زاد عدد السكان وتضاعف أربع مرات منذ هذ التاريخ، فصرنا 100 مليون بدلاً من 25 مليوناً، وصرنا نعانى وفقاً للتقارير الدولية من الفقر المائى بنصيب 600 متر مكعب من المياه سنوياً للفرد.
ثالثاً: لتكتمل الصورة فإن قرار تقنين زراعة الأرز والموز وقصب السكر يجب أن تتبعه قرارات حاسمة ومكملة وفاعلة، مثل دراسة شراء مساحات شاسعة من الأراضى فى الدول الأفريقية الغنية بالمياه وزراعتها لصالح مصر بما نحتاج من محاصيل شرهة للمياه، كالأرز، أى نزرع على أرض مملوكة لمصر بمياه لا تجد من يستهلكها فى بلاد تتمنى جذب الاستثمار، السعودية تفعل ذلك فى الأرجنتين على سبيل المثال، وأفريقيا أولى بنا ونحن أولى بها، نحتاج لسرعة إنجاز المزيد من محطات معالجة المياه فى كل ربوع مصر وتطبيق أقصى عقوبة وبشكل علنى على كل مهدر للمياه، نحتاج لعقاب أى مسئول لا يقوم بدوره فى الحفاظ على المياه حتى ولو كان حنفية حمام أى مصلحة.
رابعاً: علينا أن ندرك جميعنا أن حرب العالم المقبلة هى حرب المياه، وهى حرب شرسة ستحدد شكل الكون فى السنوات المقبلة، نظراً لزيادة حرارة كوكب الأرض وزيادة التصحر والجفاف، إلى الحد الذى جعل من رئيس وزراء إسرائيل يخرج فى فيديو مؤخراً محرضاً الإيرانيين على الخروج على نظام الملالى بسبب عدم قدرتهم على توفير المياه لهم للزراعة والحياة، معلناً عن استعداد إسرائيل مساعدتهم بتكنولوجيا المياه عبر موقع بالفارسية خصصوه لهم! وهو ما يعنى أن الماء صار أمناً قومياً ومسئولية على الجميع تحمل تبعاتها وإلا فلن يرحمنا العطش.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع