توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا إمام سوى العقل

  مصر اليوم -

لا إمام سوى العقل

بقلم: نشوى الحوفى

يرتجى الناسُ أن يقـومَ إمــامٌ ناطقٌ فى الكتيبة الخرســاء

كذب الظنُّ لا إمام سوى العقل مشيراً فى صبحه والمســاء

فإذا ما أطعـتــه جلب الرحمة عند المسير والإرســـاء

إنما هذه المذاهب أسبـــاب لجذب الدنيا إلى الرؤسـاء

هكذا جاءت كلمات الشاعر والفيلسوف العربى أبوالعلاء المعرى الذى ولد وعاش فى الفترة من 363هـ إلى 449 هـ فى بلدة معرة النعمان بشمال سوريا. ناقداً منذ ما يزيد على ألف سنة ذلك السلوك المحيط به المنتظر دوماً لإمام يقود أصحابه دون الاعتماد على فكرهم وعقلهم الذى عنه يُسألون.

تذكرت تلك الأبيات وأنا أقرأ بحثاً على موقع مؤسسة الفكر العربى دار فى مضمونه عن الفارق بين العقلية العربية والعقلية الغربية. فوصف العقلية الغربية بأنها ناقدة رافضة للمسلّمات على حالها، ولذا فهى تسعى وراء حتى ما تم الاستقرار عليه علّها تجد فيه ما يجدّ على العقل البشرى. مبرراً ذلك بطريقة التعلم القائمة على البحث والنقد وإعلاء العقل. بينما وصف التقرير العقل العربى بأنه يعانى أزمة النقل المرتبط بالخضوع والخوف من النقد والرضا بالمسلّمات على حالها حتى لو جدّ ما يثبت الحاجة لفهم أعمق لها أو استبدالها بما هو خير منها. فـ«الباب الذى يأتى لك منه الريح سده واستريح». والتفكير باب لا يستطيع فتحه الخائفون من رياح التغيير.

ورغم عدم ميلى للتعميم وإطلاق المصطلحات على حالها، إلا أن ما سبق يعد حقيقة فرضتها ظروف كثيرة لعل أهمها الفهم الخاطئ لما اصطلحت عليه مجتمعاتنا من تبعية لرجال الدين -أياً كانت العقيدة- لتمتد إلى مناحٍ كثيرة فى الحياة، رغم عدم معقولية الادعاء بعدم قدرة الجميع على التفكير والتجديد. فقد أمرنا الله بطلب العلم -أياً كان مُسماه- دون تفرقة بين علم دينى ودنيوى، فكلاهما مطلوب، والسعى وراء التفكير للتجديد فى أى من علوم الدنيا والدين لا اتباع ما سبق على علته. وإلا لما كان قد طلب منا التعلم وكان الاكتفاء بتدوين ما خطته أيادى البشرية من علوم منذ آلاف السنين لمن يطلبها.

ودعونى أضرب لكم مثلاً... ففى الأندلس منذ مئات السنين ظهر عباس بن فرناس، ذلك العالم المسلم الموسوعى، ساعياً على مدى عشرين سنة لفهم كيفية تحليق الطيور. نعم ظل لمدة عشرين عاماً يفكر بعقله فى كيفية الطيران. وحين فهم الكيفية طار وسط عدم تصديق الناس لمدة خمس دقائق فقط، ليسقط بعدها على الأرض مصاباً بكسور فى عظام ظهره عانى منها حتى وفاته بعد سبع سنوات من طيرانه. فهل أضاع عباس بن فرناس سبعة وعشرين عاماً من عمره من أجل خمس دقائق حقق فيها ما سعى له عقله؟ أم أنه فتح باب العلم على مصراعيه لغيره ليأتى بعده ببضع مئات من السنوات مَن يخترع الطائرة بناءً على نظريته؟ الغريب أن يأتى من بعده شيوخ الوهابية والسلفية وتجار التدين، ليدعوا أن الطائرة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار! تخيلوا معى المشهد.. سعى عباس بن فرناس، المولود عام 810م، الذى كانت الدواب والسفن وسيلة التنقل فى عصره، لاختراع الطائرة، محترماً لعقله، مضحياً بعمره من أجل لحظة كتلك، بينما أتى من بعده من وصف أعمال العقل بالبدعة!

وإذا كان هذا مثلاً فى علم دنيوى.. فإن الأمر ينطبق أيضاً على العلم الدينى الذى يعانى حالة من فصام بين ما يدعيه القائمون عليه من قبول تجديد الخطاب والبحث والتفكير، وبين ما يعانى منه الواقع من مرارة فى قضايا شتى.

خص الخالق العقل البشرى آيات القرآن بالتفكر والتدبر والتبصر والتعقل لأولى الألباب.. أى أصحاب العقول الذين لا ينتظرون إماماً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا إمام سوى العقل لا إمام سوى العقل



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر

GMT 20:11 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم توم كروز بأعلى وسام مدني من البحرية الأميركية

GMT 09:56 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon