بقلم: نشوى الحوفى
فى ظل الانشغال بالتهديد التركى للواقع الليبى والعبث بمقدرات الأمور فى شرق المتوسط، وفى ظل قتامة قضايا إقليمية قديمة تتجدد فى اليمن وسوريا والعراق، يبدو الوضع فى لبنان مأساوياً منذراً بكارثة برعاية طائفيته، وخيانة أطراف مشهده السياسى، وفساد نخبه، وإرهاب ميليشياته الممولة من الملالى، وانهيار اقتصاده -الذى حول مظاهرات التغيير السياسى إلى مسيرات منددة بالجوع وانعدام الأمن الغذائى. بات لبنان وفقاً لكل التقديرات على شفا انهيار محتوم الحدوث برعاية دولية كمسرح لكسر جناح إيران، من دون المواجهة المكتملة معها. وهو ما انعكس على أداء المؤسسات فى ذلك البلد العربى الذى لا يتجاوز سكانه 6 ملايين نسمة، بينما تقترب ديونه من حاجز 90 مليار دولار وتتخطى عملته حواجز الأمان لتسقط بسهوله متهاوية بسبب كل ما سبق ذكره.
الوقائع تقول إن الكل تخلى عن لبنان ما عدا إيران التى توجد بقوة عبر ميليشيا حزب الله، بقدرة تبلغ نحو 45 ألف مسلح، وواشنطن التى تلاعبها على الساحة اللبنانية. فتعلن أمريكا على لسان سفيرتها فى بيروت أنه لا تعامل مع حكومة يقودها حزب الله. حتى بعد لقاء رئيس الحكومة اللبنانى معها وبيانه عقب اللقاء بأن كل شىء على ما يرام مع أمريكا وأنهم تفهموا جهود الحكومة لإنهاء الأزمة، لم تغير السفيرة الأمريكية موقفها ولم تعلن تصريحاً مخالفاً لما سبق وأعلنته. وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو أعلن أن دعم لبنان مشروط بإجراء إصلاحات سياسية جادة بعيداً عن التدخل الإيرانى وهو ما يعنى خروج حزب الله من الحسبة.
صندوق النقد الدولى أعلن أن لبنان بحاجة لتركه يدبر أموره، وهو ما يعنى فشل مفاوضاته مع الحكومة اللبنانية على مدار 17 جلسة انتهت إلى لا شىء وهو ما برره الصندوق بغياب الشفافية حول العديد من القضايا، فى مقدمتها الفساد المالى وتهريب مقدرات لبنان إلى سوريا، وانعكاس ذلك على سعر الليرة والتضخم. كما اختفى العرب فى تلك الأزمة وبخاصة المملكة العربية السعودية، التى كانت لبنان ساحة مواجهة لها مع إيران، وكأن الجميع ينتظر الانهيار المرسوم الذى لا يتعلق بالوضع الاقتصادى وحسب، ولكن يتعلق بكارثة أخرى مفادها وجود نحو 1.7 مليون لاجئ معظمهم من السوريين -وفقاً للتقارير- على الأرض اللبنانية، بينما اللبنانيون يقفون طوابير لا نهاية لها للحصول على الخبز.
وكأن المشهد يحتاج لمزيد من الغليان، لتعلن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عن موعد صدور حكمها فى قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى فى الأسبوع الأول من أغسطس المقبل. ومعروف أن المتهمين الأربعة فى حادثة الاغتيال التى وقعت فى فبراير 2005 -أى منذ 15 عاماً تقريباً- أعضاء بارزون فى حزب الله. وهو ما يعنى سكب مزيد من الزيت الساخن على المشهد اللبنانى الحانق غالبيته على توغل نفوذ حزب الله فى الداخل وتوريطه لبنان فى صراعات إيران بالخارج. ليعود للأذهان شبح الحرب الأهلية اللبنانية فى منتصف السبعينات من القرن الماضى والتى استمرت لمطلع التسعينات وفقاً لاتفاق «الطائف»، وقسم المشهد السياسى بطائفية فى لبنان تماماً كما حدث فى العراق بعد وضع الدستور الأمريكى بها عام 2006.
من هنا يبقى التساؤل مشروعاً. هل يتحمل العرب اليوم جميعهم فى شرقهم وغربهم، سقوط لبنان فى بئر حرب أهلية تكمل انهيار ما كان يوماً شاماً؟ المشهد مزرٍ فى سوريا وأكثر مأساوية فى العراق. فهل نتحمل مزيداً من التهتك فى بلاد أرزنا؟ لا أظن. فهو لا يعنى بالنسبة لى سوى مزيد من اللهب المشتعل الذى يحرق كل شىء ويثير الفوضى فى كل مكان. ليكون أول المتضررين دول شبه الجزيرة العربية القابعة على جمر من نار تظنه استقراراً. فلا يجوز إسقاط لبنان فى هوة الجوع والفشل المؤسسى. لا يجوز إسقاط لبنان أو السماح بإسقاطه فى فوضى أبداً لم تكن خلاقة. لا يجوز إسقاط لبنان أو السماح بإسقاطه لتنتشر سياسة التوحش التى رفعتها الجماعات المسلحة والمدربة إقليمياً برعاية أمريكية لتغتال مؤسسات الدول وتسقط.... «النظام». لا يجوز إسقاط لبنان أو السماح بإسقاطه وتركه للضغوط الأمريكية على إيران لصالح تل أبيب.
فهل من رشيد يا سادة؟ لا تسقطوا لبنان...لا تحرقوا الأرز.