فى يوم ما من تاريخ الزمان، اكتشفنا من جديد فصيلة الدم الذى يسرى فى عروقنا، وتعرفنا من جديد على ملامحنا الأصيلة التى تشوهت عن عمد متنمر.
نظرنا إلى الشمس، فأعلنت أنها فى إجازة لأنها ستشرق اليوم فى عيون المصريات والمصريين وعلى شفاههم.
فى يوم ما من الزمان، توقف كوكب الأرض عن الدوران، فقد اكتفى بدوران الملايين من المصريات والمصريين حول بعضهم البعض، وقد أزاحوا «جاذبية الأرض» لإحلال «جاذبية الشعب» بدلًا منها.
يوم كان المفروض، حسب المعلومات الفلكية والأرصاد الجوية، أن يكون شديد الحرارة والرطوبة. لكن بقدرة وإرادة ورغبة وحماس الملايين من المصريات والمصريين، أصبح يومًا ندِيًّا، لطيفًا، معطرًا، يجعل الخروج إلى الشارع نزهة مبهجة، للكبار والصغار.
فى ذلك اليوم، تحولت مصطلحات «الحرية» و«التحرير» و«الثورة» إلى صناعة مصرية وطنية خالصة، عالية الجودة، لا تقبل المنافسة، تستعصى على التقليد، يحسدها العالم.
فتح التاريخ أبوابه الذهبية للشعب المصرى، العجيب بفطرته، لكى يقول حكمه النهائى، اليقظ، النافذ، الذى لا رجعة فيه، ولا نقض، ولا استئناف، ضد سماسرة الأوطان، وتجار الدين، ولصوص الحرية، والمستثمرين فى بيع الأسلحة، وبيع النساء.
فى يوم ما، أجهض الشعب المصرى مؤامرات تقسيم الوطن إلى ولايات دينية، وإمارات مذهبية، تحرق عَلَم مصر، وترفع الأعلام السوداء، المستوردة من أزمنة الصحراء.
فى يوم ما، ألغى الشعب المصرى «المزاد»، الذى كان منصوبًا لبيع مصر، بالجملة والقطاعى.
ذلك اليوم من أيام الزمان كان اسمه «30 يونيو 2013».
ثورة عارمة، غامرة، أود أن أسميها «الساحرة»، التى حوّلت التراب إلى ذهب، والأجساد المحتشدة إلى «محميات» صامدة، والعيون إلى شرارات من لهب.
«ساحرة» أخرجت من جعبة المصريات والمصريين تمردًا مختزنًا منذ آلاف السنين، ومقاومةً كانت مخبأة تحت طبقات صدئة من الخوف والاستسلام.
«ساحرة» غسلتنا بزيت الياسمين وماء الورد.
من الطبيعى جدًّا أن يصفها المتضررون من سِحرها بـ«الانقلاب».
وليكن الأمر. نعم، انقلاب. لكنه أكبر انقلاب «شعبى» منذ فجر التاريخ.
نعم، انقلاب. انقلاب على العبودية، والمذلّة، والتبعية.
نعم، انقلاب. انقلاب على السرقة، والفساد، والنهب. ما أجمله من انقلاب، يقلب الأشياء لكى «تتعدل» و«تستقيم»!.
30 يونيو 2013 لم تكن ثورة فقط على الاستبداد الملتحف بالدين، لكنها كانت ثورة لحماية «الوجود» نفسه. وثورة لحماية آلاف السنوات من الحضارة المصرية القديمة، التى كانت «أقدم»، و«أعرق»، و«أعدل» الحضارات. وثورة ضد انطفاء مصابيح الاستنارة. وثورة لاستعادة وطن مكون من ثلاثة حروف: مصر.
نزلت الملايين إلى الشوارع فى 30 يونيو 2013 دون استئذان، أو تحريض من نخبة سياسية، أو نخبة ثقافية، أو نخبة دينية، بل إن الثورة قامت لتضع حدًّا لهذه النخب الخربة الانتهازية التى تأكل على كل الموائد، وتصفق لكل نظام، وتغازل التأسلم السياسى، وتعمل «حائط صد» «يغلوش» على موجات الفكر الثقافى النزيه، المبدع، المتمرد.
بعد «البروفة» فى 25 يناير 2011، نزلت الملايين فى الشوارع بـ«عفوية» الأطفال، و«عنفوان» الشلالات، و«صمود» الجبال.
علمتنا ثورة 30 يونيو أن مصر لا «تتكيف» مع الحسابات والمصالح.. ولكن على الحسابات والمصالح.. حتى تستمر، أن «تتكيف» هى مع «الجينات» المصرية.
بعد تسع سنوات، مازال الصراع مشتعلًا بين أنصار الدولة المدنية، وحلفاء الدولة الدينية.. لكننى أراه شيئًا إيجابيًّا لصالح مصر، فالصراعات تفضح ما كان مستترًا، تكشف حقيقة الأصدقاء والأعداء.
الصراعات تغربل، وتنقى، وتطهر.
ختامه شِعر:
لم أعرف أبدًا مذاق الدموع
لأننى دائمًا أبكى تحت المطر
لم أعرف أبدًا لى مستقَرًّا
منذ ولادتى
تبنّتنى موانئ السفر
لم يدقّ الملل على بابى
لأننى أعيش دائمًا
على حافة الخطر
أنا سيدة قراراتى ومشاعرى وأفعالى
ليست لعبة فى يد القدَر
لا تُريحنى طبائع البشر
لست أبالى
بمَن جاء أو حضر
لا أنظر أبدًا إلى النجوم
فأنا بكل تواضع توأم القمر