بقلم - مني حلمي
أتأمل كيف نعيش، ونموت، بأوامر من ماكينات سَفْك الدماء. قلة همَجية، مُتنمِّرة، مُتوحشة، مُختلة العَقل، تملك الفلوس، والثروات، والأسلحة، والإعلام، والثقافة، والتعليم، والأديان. تعيش على إثارة الفتن، وسرقة الضعفاء، ودم الأبرياء، وصناعة الأكاذيب.. واحتلال حرية وكرامة الشعوب.
فأدرك أننا نحتاج إلى مئات من «غاندي»، لكى نُطهر، ونُشفى، ونُنَظف، ونُنقذ هذا العالم.
هذه بعض لقطات من حياة «غاندي»، رسول اللا عُنف، التى انتهت برصاصة هندوسية متعصبة، فى 30 يناير 1948.
طبقًا لنظام الطوائف فى الهند؛ لا يتم التزاوج، بين طائفتين مختلفتين. ولا يحق لإنسان تغيير طائفته، حتى الموت.
ثار «غاندي» على الموروث الدينى الهندوسى، وقام بتزويج، رجل، وامرأة، ينتمى كل منهما، إلى طائفتين مختلفتين. بل من أكثر الطوائف بُعدًا.. طائفة «البراهما»، قمة المجتمع، وطائفة «التشودرا»، قاع المجتمع، المنبوذين.
تساءل «غاندي»: «كيف نعترض على معاملة بريطانيا، لنا على أننا منبوذون، ونحن نعامل أهلنا المعاملة نفسها؟.
آمن «غاندي»؛ أن اللا عُنف سياسة القَوِيِّ المُتَحضر، المؤمن بقضيته. أمَّا العنف؛ فهو تعبير عن التوحش، والعجز، والسلبية. وكان مقتنعًا بأن الشعب الهندى، سيخرج الإنجليز بكامل اختيارهم.
فى 12 مارس 1930؛ خرج «غاندي» من مدينته أحمد أباد، سائرًا على القدمين، إلى قرية داندي. وقد قطع عهدًا، ألا يعود، إلا بعد تحرير الهند.
وعلى طول الطريق؛ تحوَّل الجمع الصغير؛ إلى الآلاف من الهنود فى المدن، وفى القرى، احتجاجًا على احتلال بريطانيا.
عند الشاطئ توقف «غاندي» وتوقف معه الزحف الهندى الضخم. رفع بعض الملح؛ إلى أعلى، ثم تركه يتساقط مصاحبًا بالهتافات الرعدية. هذه الحركة البسيطة؛ احتجاج غاضب، ضد احتكار الإدارة الإنجليزية للملح، وفرضها ضرائب باهظة على تداوله.
أدرك «غاندي» أنه أفضل توحيد للخمسمائة وخمسين مليونًا من الهنود. فأفقر الفقراء؛ الذى لا يتناول إلا قطعة من الخبز، يحتاج إلى بعض من الملح. هذه هى مسيرة الملح التاريخية.
وقد نجح «غاندي» بسياسة اللا عُنف، فى إحياء الصناعات القديمة، والحِرَف التقليدية الهندية، والعودة إلى النول اليدوى للغزل. فقد أدرك أن الاستقلال السياسى للهند، من دون الاستقلال الاقتصادي؛ مستحيل.
يوم 30 يناير 1948؛ اُغتيل «غاندي» المناضل، أو الفيلسوف، الذى ضل طريقه إلى السياسة. فى ذلك اليوم، كان يُصلى، فى مدينة نيودلهى، داخل حديقة، «بيت بيرلا»، مع آلاف المصلين، وبعد استقلال الهند، بأقل من سنة، فى 15 أغسطس 1947، قتله هندوسى متطرف.
أعطى «غاندي»؛ النموذج لصدق الزعامة. فكانت حياته بسيطة، متقشفة، مثل أفقر الفقراء.
من مقولات «غاندي»:
- أيها الهنود لا تعاملونى كإله.
- لا تحل محل الناس. دعهم يكتشفون قدراتهم بأنفسهم.
- جئنا بفضل النساء، فلا تسيئوا معاملتهن.
- الفقر موجود لأننا نأخذ أكثر من احتياجنا.
- لولا المرح والسُّخرية لانهزمت فى أول معركة.
- لا تيأس.. فالبحر لا يتسخ من قَطرة.
تم اختيار 2 أكتوبر، مولد «غاندي»، ليكون اليوم العالمى لنبذ العنف، تكريمًا له، وتدعيمًا لسياسة اللاعنف، والعصيان المدنى، والمقاومة السلبية.
فى 14 مارس 2015، فى لندن، فى ميدان البرلمان؛ اُزيح الستار عن تمثال «غاندي». وهذا التاريخ، يوافق مائة عام، حينما عاد «غاندي»، إلى الهند، من جنوب إفريقيا، للتفرغ للنضال لتحرير بلاده. وكان حينئذٍ يبلغ من العمر، 46 عامًا.
يا للمفارقة. تمثال «غاندي»، يرتفع شامخًا، فى قلب لندن، فى عقر دار الإمبراطورية العتيدة، التى طاردت «غاندي»، واعتقلته سنوات، أكثر من مَرَّة.
يا للمفارقة. ذهب الجميع، أصحاب الامتيازات، والمراكز المرموقة، وترسانة الأسلحة، الذين كانوا يركبون الخيل، ويضربون الشعب الهندى، بالرصاص، والعصا، والكرابيج. لم يبق إلا «غاندي»، و«الهند».>
نقلا عن مجله روزاليوسف القاهريه