طالعتنا وسائل الإعلام باهتمام شديد، تشاركت فيه تعليقات وسائل التواصل الاجتماعى، والقنوات المنتشرة على «يوتيوب»، بتقرير الطب الشرعى فى مقتل الطالبة نيرة أشرف، والذى يؤكد عذريتها، وسلامة غشاء البكارة من أى انتهاك قديم أو حديث.
وأنا لا أدرى ما علاقة تعرض الطالبة للذبح فى الشارع علنًا فى وسط النهار بعذريتها أو عدم عذريتها، بسلامة غشاء البكارة أو عدم سلامته. لنفترض أنها لم تكن عذراء، وأن غشاء البكارة قد تمزق، هل هذا مثلًا يُحولها من مجنِىّ عليها إلى جانية؟؟. هل يجعلها تستحق الذبح فى الشارع علنًا فى وسط النهار؟؟. هل هذا يبرئ القاتل أو يستدر العطف عليه لكى يفعل ما فعله من تهديدات أو ملاحقات أو عنف انتهى بالذبح، وقد علم أو حتى خالجه الشك فى استقامتها؟؟. أهو وصِىٌّ عليها، وعلى أفعالها؟؟. أهو يملك جسمها؟؟؟.
والسؤال المنطقى هنا: هل يمكن أن تكون سلامة غشاء البكارة أو العذرية مقياسًا لشرف الفتاة أو المرأة، وهناك «بزنس» فى السوق مُرْبِح للطبيبات والأطباء، اسمه «ترقيع غشاء البكارة» أو «جراحات إعادة العذرية»؟؟.
تحت اسم الفضيلة المزيفة، وإتاحة الستر، وتجنب الفضائح، تلجأ الفتاة المغتصَبة ضحية الاعتداء الجنسى إلى مثل هذا الترقيع، وتتحمل العبث بجسدها مرة أخرى.
رغم كل التحديات المحلية والإقليمية والعالمية التى تحاصرنا، فإن مجتمعاتنا مؤرَّقة فى نهارها وليلها بالكلام حول «شرف البنت» و«عذرية الفتاة»، ومنشغلة على مر عصورها بالمراقبة الأخلاقية والاجتماعية والثقافية والدينية، ماذا تفعل المرأة بجسدها، والحكم عليه وإنزال العقاب به فورًا، دون هوادة.
الكل متربص بشرف المرأة، فالتقاعس عن ذلك يُعتبر من الخيانة المنبوذة، فشرف البنت أو شرف المرأة فى عرف المجتمع الذكورى هو شرف الأسرة، وبما أن الأسرة هى نواة المجتمع الأولى، يكون «شرف» المرأة هو شرف المجتمع الذكورى كله بالضرورة، والكل «طواعية»، مدفوعًا بالرجولة والشرف، يدخل فى «المزايدات» حول جسد المرأة وعذرية المرأة، التى تعكس ثقافته ومصالحه ومزاجه وفكرته عن الشرف والأخلاق وعفة الجسد. وانتهاك شرف المرأة المحصور فى العذرية، المرادف لشرف الرجل، والدالّ أيضًا عليه، فورًا يستحل أقصى أنواع العقاب والعنف، التى تصل إلى القتل والذبح.
لا نسمع أبدًا مصطلح «شرف الرجل»، أليس هذا غريبًا؟؟.
الكل يقول كلمته حول جسد المرأة وشرفها إلا المرأة نفسها، صاحبة الجسد، ومالكة الجسد.
إن «إعادة العذرية» بالخياطة وعمل غرز ليست فقط جريمة «طبية»، ولكنها فى المقام الأول جريمة «أخلاقية» و«إنسانية» فى حق الفتاة المُغتصَبة.
ألَا يكفى أن الفتاة قد تعرضت لاعتداء جنسى، قد يصيبها بعقد جنسية ونفسية، لا حل لها؟.
إن الاغتصاب اعتداء من فرد عليها. لكن «إعادة العذرية» بالخياطة والغرز والترقيع اعتداء من ثقافة بأسرها، تختصر المرأة إلى «جسد» هى لا تملكه، ولا تختار مصيره. ثم تختصر الجسد إلى جزء صغير جدًّا، تولد به، وقد لا تولد به.
إن شرف البنت أو شرف المرأة ليس غشاء البكارة والعذرية. إن الشرف، حتى يكون حقًّا «شرفًا» أو فضيلة أو أخلاقًا نبيلة، لا بد أن تُطبق معاييره على جميع البشر، دون تفرقة بين رجل وامرأة، بين غنى وفقير، بين أبيض وأسود. معايير واحدة لكل الأديان والملل والمذاهب والعقائد والأفكار. شرف الإنسان لا بد أن يكون واحدًا، ولا بد أن يكون مرتبطًا بالنصف الأعلى من الجسد، أى بالعقل والتفكير، فالعقل هو الذى يعطى الأوامر للجسد، والتفكير هو الذى يميز بين الأدب وانعدام الأدب.
شرف الإنسان «رجلًا أو امرأة» هو قدرته على الاستقلال الاقتصادى والنفسى، هو القدرة على مواجهة العالم بما نؤمن به ونفعله، وليس إخفاءه تحت اسم «الخوف من التقاليد»، أو «إعادة العذرية»، أو «ديكور الأخلاق المزيف». الشرف هو القدرة على السباحة ضد التيار، ودفع ثمن اختلافنا، وهو قدرتنا على أن نكون مسؤولين عن أنفسنا مسؤولية كاملة غير منقوصة، تحت أى مسمى.
إن شرف المرأة هو فى عقلها وشخصيتها وفلسفتها لتغيير ذاتها من كيان تابع مقهور إلى كيان حر مستقل. شرف المرأة هو رؤيتها النقدية لمجتمعها لتغييره إلى الأشجع والأعدل والأجمل والأصدق.
شرف المرأة مثل شرف الرجل بالضبط، أن يتحرر كلاهما من الوصاية بكل أشكالها، ومن رغبته فى أن يكون مستغِلًّا لأحد، أو مستغَلًّا من أحد. وكل رجل مسؤول عن شرفه، النابع من أفعاله هو شخصيًّا، وليس من أفعال إناث أسرته أو عائلته.
إن مفهوم مجتمعاتنا عن «الشرف» عنصرى مخجل ومضحك ومحزن وغير عادل فى آن واحد.
إن الشرف- وهذه بديهية أخلاقية، ومن مسلمات المنطق السوِىّ- يبدأ وينتهى بعدم التمييز بين البشر. عدالة المقاييس الأخلاقية هى المعيار الوحيد الحقيقى لمنع كل أشكال ودرجات الفساد الأخلاقى، وإنهاء ارتكاب الجرائم البشعة باسم الشرف الذكورى، وتوقف سلسلة العنف الوحشى المتكرر ضد الفتيات والنساء.
■ ■ ■
ختامه شِعر
رجمونى بإدانات الفسق والفجور
لأننى أرفض الوصاية
على العقول والقلوب
واختصار أخلاق النساء
والشرف الغالى للذكور
فى ترقيع غشاء البكارة
قاطَعونى.. نبذونى
حجبوا اسمى وصورتى
لأننى لا ألبس طرحة
لا أخلع كرامتى
سافرة كالشمس والموت
قصيدتى ثروتى وثورتى
ونِعم البشارة