بقلم : هنا أبوالغار
«الختان» أو ما يسمى علميا «بقطع الجهاز التناسلى للأنثى»، جريمة صدر بخصوصها قانون فى مصر فى عام ٢٠١٦ يعاقب كل من يقوم بها (الطبيب، الداية، حلاق الصحة..) أو من يقدم أنثى قاصرا للقطع (أب، أم، ولى أمر…) بعقوبة تتراوح من ثلاث إلى سبع سنوات سجن، وهى خطوة مهمة جدا على طريق حماية الفتاة المصرية منه، تحتاج أن يليها التطبيق الصارم للقانون ووعى المجتمع بما تعنيه هذه الممارسة الإفريقية القديمة.
فكتب الطب والجراحة ليس بها أى أسباب أو فوائد للقيام بها فى أى حالة أو استثناء، وبالتالى فهى ممارسة خارجة عن علم الطب حتى لو كان من يقوم بها فى ٥٠٪ من الحالات فى مصر طبيبا أو داية، وهى لا تقل إجراما عن قطع يد أو رجل الطفلة، وهو السبب من وراء تجريمها.
بالرغم من حملات التوعية التى تمت من قبل مؤسسات الدولة والإعلام والجمعيات المعنية بحقوق الطفل والمرأة والتى تناولت مخاطر العملية من احتمال نزيف، والتهابات، وعقم إلى آخر كل مضاعفات هذه الممارسة المباشرة على الفتاة، فقد دفعت فتيات كثيرات حياتهن جراء إجرائها، منهن من ساهمت وفاتهن فى تسليط الضوء على هذه الجريمة ومنهن من لم نسمع عنهن.
إحصاءات المجلس القومى للسكان تقول إن الجهود المبذولة أسفرت عن انخفاض نسبة هذه الممارسة فى شريحة فتيات المدارس لتصبح ٧٠٪ من الفتيات، بالمقارنة مع ٩٧٪ من جيل أمهاتهن وجداتهن فى عمر ٤٥ إلى ٤٩ عاما فى ٢٠١٥، بالرغم من هذا الانخفاض مازالت مصر الدولة التى بها أكبر عدد من الفتيات والنساء اللاتى تعرضن للقطع فى العالم (حيث تعداد سكان مصر كبير بين الدول التى تمارس هذه العادة البغيضة). قد أشادت الأمم المتحدة بهذه الجهود وأعربت عنها مع إعلانها يوم ٨ فبراير ٢٠١٨ يوم «عدم التسامح» مع هذه الممارسة دوليا وهى المبادرة التى انضمت إليها مصر رسميا.
***
قد أفنى نساء ورجال مصر من جمعيات أهلية ومؤسسات الدولة المعنيين بسلامة المرأة والطفل وحقوقهما حياتهم فى مناهضة تشويه جسد الفتاة والتوعية بأضرارها إلى أن تم إصدار قانون يجرمها. ومع ذلك فكل يوم تضاف عشرات الآلاف من الفتيات إلى الملايين المذكورة لأنها عادة ضاربة بجذورها فى الثقافة المجتمعية المصرية.
لفهم ما يعنيه «قطع الجهاز التناسلى للمرأة» للأسرة المصرية وليس فقط للمرأة يجب أن نفهم وظيفة العضو الذى يتم قطعه فى أبسط أنواع «الختان» فى مصر وهو البظر (حيث إن القطع أنواع تقسم بحسب الأجزاء التى يتم إزالتها لكنى هنا سأتناول أبسط الأنواع وأقلها تشويها)، وأفضل طريقة لفهمها هى معرفة أصلها فى تطور الجنين أثناء تكوينه، فأعضاء الذكر والأنثى تتطور من أصل واحد بفعل إشارات تأتى من الهورمونات والكروموزومات التى تحدد النوع، فبظر الفتاة مقابله للعضو الذكرى، أى إن قطعه بالنسبة للمرأة يساوى قطع العضو الذكرى فى الوظيفة، فهو ليس قطعا لجلد (كما يوصف شعبيا) وإنما للحم وأعصاب وأوعية دموية تترك خلفها نسيجا مشوها لا قدرة لديه للتفاعل بشكل «طبيعى» أثناء عملية التزاوج، فالمرأة فى أحسن الأحوال لا تشعر بأى متعة ولا تصل للنشوة وفى أحوال كثيرة تستبدل هذه المشاعر بالألم نتيجة النسيج الذى تكون والأعصاب التى قطعت.
من الناحية النفسية فالشهوة لا تتأثر (لأن الشهوة منبعها المخ وليس الأعضاء التناسلية)، واحتياج المرأة للإشباع، وهو احتياج فسيولوجى مثله مثل احتياج الرجل، والإشباع لا يحدث فى حال كونها تعرضت للقطع، بالرغم من استمرار الاحتياج اليه، بل إن ممارسة العلاقة الحميمة قد تزيد من احتياجها للإشباع الذى لا تصل إليه وبالتالى من إحساسها بعدم الرضا مع زوجها ومحاولتها التهرب من العلاقة الزوجية التى هى علاقة خاصة جدا تقرب الزوجين وتصل بينهما وصال مختلف عن أى علاقة أخرى وتضيف إليها بعد فيه ترابط وقدسية.
يمكننا مقارنة احتياج الرجل والمرأة إلى الاشباع الجنسى باحتياجهما للشبع والارتواء، فالمرأة (أو الرجل) عندما لا يصلا إلى النشوة مثلهما مثل الإنسان الذى لم يحس أبدا بنعمة الشبع أو الارتواء من الطعام أو الماء. ولأن الجنس أمر خاص جدا عموما، وفى ثقافتنا من الصعب أن تتحدث عنه المرأة حتى مع أقرب الناس إليها، فقلما نسمع عما تعيشه هؤلاء النساء وهن أغلبية من آثار نفسية.
***
المأساة ليست عند المرأة وحدها، لكن عند الزوج أيضا، فاللذة عند الرجل جزء كبير منها يأتى من إحساسه بأن لديه القدرة على إمتاع زوجته فى هذه اللحظات الحميمة الخاصة، عدم تفاعلها معه أو ظهور آثار الألم عليها أو محاولتها الدائمة للتهرب منه تولد لديه مشاعر سلبية، قد تؤدى إلى العنف فى الممارسة أو الملل أو عدم الرضا، وتقلل من الرابط الطبيعى الفسيولوجى بين الزوجين، كما أن له أثارا تمتد إلى ما وراء أبواب حجرات النوم المصرية من غضب ولوم من الطرفين حيث كلاهما غير راضٍ ولا يفهم سبب عدم الرضا.
تمارس هذه الجريمة بقسوة شديدة، فهى تتم بعد أن تصل الطفلة إلى سن تتذكر فيها جيدا تفاصيل ما أحست به من ألم أثناء وبعد القطع، وكيف أنه مورس عليها فى وجود وبموافقة أقرب الناس إليها الأم والأب المسئولين عن حمايتها واللذين تثق فيهما وفى حبهما لها، وهو ما يفسر جزءا من تمسك المرأة بإعادة المأساة فى من تلدهن من فتيات لتبرير ما عانته وتعانيه يوميا مدى حياتها على أنه «الأفضل لها»، فالمبررات تتراوح ما بين «النظافة، والأسباب الدينية والعفة (وهو أمر نفته الأبحاث التى تناولت المتاجرات بالجنس فى مصر والتى أظهرت أن الأغلبية العظمى منهن وقع عليهن نفس العنف) بالإضافة إلى ضمان مستقبلها فى إيجاد زوج مناسب. نتائج المسح السكانى أظهرت أن الأسر التى حصلت فيها الأم على أى نوع من أنواع التعليم انخفضت فيها نسب هذه الممارسة.
***
الظلم دائرة مغلقة، تقفل على الجميع، وما يسمى خطأ بـ«ختان الإناث» وهو فى الحقيقة قطع وتشويه لجهازها التناسلى هو ظلم، يقع عليها وعلى زوج المستقبل وبالتالى على أسر مصرية لا حصر لها تعانى من عدم تناغم وعدم رضا بين الزوجين قد لا يعرفان أبدا أن سببه أصلا فيما حدث لهما ويحدث يوميا فى عشرات الآلاف من الأسر المصرية حتى الآن من أم وأب يظنان أنهما يفعلان ما فيه مصلحة ابنتهما بمنتهى الحب.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع