بقلم : هنا أبوالغار
التمييز، كلمة تعنى التفرقة فى الحقوق والفرص بين شخص وآخر. تم تناول التمييز من منظور حقوقى واجتماعى وقانونى، على أساس أن التفرقة بين البشر اعتدنا أن نراها على خلفية النوع، أو الدين أو لون البشرة أو الأصول العرقية إلى آخر الأسباب التى نوجدها كمجتمعات فى عالم شديد الظلم لنكسب سلطة وقوى وبطشا على حساب فئات مختلفة عنا.
هناك تمييز قلما يتطرق إليه المهتمون بقضية التمييز، وهو التمييز على خلفية السن، وهو تمييز موجود فى معظم بلدان العالم ومسكوت عنه، لأن مجتمعنا للأسف لا ينتفض دائما للظلم بل إنه كثير ما يبرره أو حتى يتبناه تحت مسميات إيجابية مثل «العادات، التاريخ، الدين، أو حتى الاستسلام لوضع نراه أصعب من أن نشارك فى تغييره»، مسميات هى فى الحقيقة بريئة من هذا التمييز حيث إن القيم الأصيلة التى تبنى الحضارات سواء كانت ثقافية أو دينية أو تربوية معظمها مبنية على مبدأ العدالة فى الحكم والفرص الواحدة، ولهذا فمفهوم التمييز على خلفية عمر الإنسان وسنه بعيدة جدا عن نطاق بصيرتنا حتى للمهتمين بمجال الحقوق.
فلنبدأ بأكثر فئة تعانى من هذا التمييز وهى الأطفال، تخيلوا امرأة أو رجلا بالغا يتم ضربهم على الملأ من قبل شخص أكثر قوة وأكبر حجما منهم، أو يقرر رئيسه مثلا أن يعاقبه على خطأ ارتكبه بأن يحبسه فى مكان مغلق لمدة من الوقت، أو يقوم بإهانته أمام زملائه. كلها أفعال عندما تقع على شخص بالغ تلقى استياء شديدا من المجتمع، بل إن بعضها يقع تحت طائلة القانون، فى حين أن نفس هذه الانتهاكات تمارس بشكل يومى فى معظم بيوت وشوارع مصر ضد الأطفال من قبل أشخاص بالغين منوطين بحمايتهم ورعايتهم تحت مسمى التربية. أضف إلى ذلك أننا وبشكل يومى وبدرجات متفاوتة نأخذ قرارات تمس أبناءنا فى أعمار مختلفة سواء كانت بسيطة أو هامة ومصيرية، من اختيار ملابسهم أو الرياضة التى يلعبونها أو الدراسة التى يؤدونها أو المكان والأشخاص الذين يقضون معهم أوقات فراغهم بدون أن نأخذ رأيهم فى الاعتبار ولا حريتهم الشخصية فى الاختيار. نعطى أنفسنا هذا الحق لأننا بحكم سننا أكبر منهم وفى تخيلنا أكثر منهم معرفة بالأصلح. بالتأكيد أن جزءا من واجبنا نحو أبنائنا هو حمايتهم من أنفسهم وتوجيههم فى عمل الخيارات الصائبة والبعد عن قرارات تضررهم، لكن الخط رفيع جدا بين استخدامنا سلطتنا لصالحهم واستخدامها لفرض إرادتنا الخاصة فى إطار أحلامنا نحن لهم أو حتى مجرد اختيار الأكثر راحة والأسهل لنا بحكم أننا مكبون بهموم يومية كثيرة أو لأننا لسنا مدركين للفارق فى الاحتياجات والرغبات من جيل لجيل، والحقيقة أن الاطفال حتى فى سن صغيرة جدا يحتاجون إلى استكشاف هذه الرغبات وتعلم التعبير عنها وهى مهارة تنضج وتكبر وتتحقق بالممارسة والأهم أنها تحتاج أن نحترمها.
فئة كبار السن هى فئة تعانى من تمييز قد لا نلتفت إليه، بل قد نتناول معاناتهم الناتجة عن تطور عالم التكنولوجيا والذى فرض عليهم على كبر وأصبح جزءا كبيرا من يومنا شئنا أم أبينا، تخيلوا معى شخصا فى السبعين من عمره يأتيه خطاب من البنك بداخله كارت ائتمانه المجدد، مطلوب منه أن يتصل بالبنك ويتعامل مع آلة رد أوتوماتيكية تطلب منه اختيار بالضغط على زر فى تليفونه المحمول ثم يرد عليه موظف قد يجد صعوبة فى تمييز ما يقوله على التليفون بحكم السن، ويسأله أسئلة لتفعيل الكارت تحتاج إلى ردود خاصة بتحقيق شخصيته أو حسابه فى البنك وهو غير جاهز بها، فيتأخر فى الرد ويتوتر الموظف لأنه يريد سرعة فى الإجابة، وغير مسموح أن يرد بالإنابة عنه أى شخص آخر لأن قانون البنك لا يسمح بذلك، فيضطر وهو كبير فى السن وصعب الحركة أن ينتقل إلى البنك بنفسه لتفعيله، فى الطريق إلى البنك يتحرك فى شوارع مزدحمة بسيارات لا ترحم أى شخص بطىء الحركة، ويعتلى رصيف عالى قد لا تسمح صحته بأن يعتليها، إلى آخر كل المصاعب التى تواجهنا جميعا لكنها مضاعفة عندما تكون مسن. أضف إلى ذلك استخراج أوراق رسمية، أو التعاملات الإلكترونية الكثيرة المفروضة علينا فى عصرنا هذا من حجز تذاكر أو دفع فواتير والتى تصعب على جيل تربى على التعاملات الورقية والتى استبدلت فى العالم كله بدون أى نظر إلى صعوبتها على جيل كامل.
أن تكون شابا حديث التخرج فى مجتمعنا يجعلك عادة آخر من يؤخذ برأيه فى مكان العمل، ويضعك فى موقف أضعف فى أى نقاش أو خلاف فى مكان العمل أو خارجه مع شخص أكبر منك سنا مهما كنت على حق أو كانت أفكارك جيدة. أما إذا كنت فى منتصف العمر وخسرت وظيفتك ففرصك فى إيجاد وظيفة جديدة أقل كثيرا لأن صاحب العمل يفترض أن سنك يجعل مستقبلك المهنى أقصر وطاقتك فى العطاء أقل. أما إذا كنت امرأة فى سن الزواج أو الإنجاب ففرصتك أضعف عند التقدم لبعض الوظائف لأنه متوقع أن تأخذى فترات من الإجازة لرعاية أسرتك تجعل فرص تعيينك أقل من قريناتك الأكبر سنا.
كثير مما سبق له أبعاد لا تضع الكفاءة ورجاحة العقل والمهارات الخاصة بكل فرد فى الحسبان فقط بسبب سنه، وهو أمر قد يصعب التغاضى عنه فى بعض الأحوال لكن على الأقل مهم أن ندركه لأن العدالة فى الفرص والحقوق والحكم على الشخص والموقف مفتاح هام لرضا قطاعات هامة فى مجتمعنا ولبناء مجتمعى أكثر توازنا وتناغما بين أجياله المختلفة.
التمييز على أى خلفية يحدث بدون علمنا لأننا اعتدنا عليه، لكن علينا مسئولية أن نبدأ بأنفسنا وأن نعى لأحكامنا وأفعالنا ونتفهم ردود أفعال الآخر حتى لا نشارك فى دائرة الظلم، فهى دائرة مغلقة ستطالنا وتطال أبناءنا إن لم نكسرها.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع