توقيت القاهرة المحلي 21:07:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شبح الطائفية يهدد العراق مجدداً

  مصر اليوم -

شبح الطائفية يهدد العراق مجدداً

بقلم : مينا العريبي

جاء خبر تحالف رجل الدين العراقي مقتدى الصدر مع الزعيم الفعلي للحشد الشعبي العراقي هادي العامري، الأسبوع الماضي، ليضرب آمال من كان يطمح لإخراج العراق من الاصطفافات الطائفية المقيتة. هذا التحالف يقلب توقعات كثيرين فيما يخص نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة. فخلال الحملة الانتخابية، كانت لائحة «سائرون»، التي يقودها الصدر مع تحالف من الفئات العراقية المختلفة، تنادي بالوقوف مع الدولة المدنية ورفض حمل السلاح خارج الدولة، ما يتنافى مع ما تمثله لائحة «الفتح» التي تضم فصائل من الحشد الشعبي، والتي ترفض فكرة تسليم السلاح، وإنما تنادي بإبقاء قوة الحشد الشعبي. كما أن «الفتح» هي بشكل كبير مكونة من أحزاب شيعية إسلامية مقربة من إيران لا تدعو إلى الدولة المدنية.
بعد شهر من إجراء الانتخابات التشريعية التي جرت في العراق، لم يبق إلا القليل من التفاؤل الحذر الذي ساد حينها. فتقدم الصدر بالأصوات وكلامه الأولي عن تشكيل حكومة تكنوقراط، بناء على تحالفات مع أطياف مختلفة، مثل بادرة حسنة وأرضية للخروج من أزمة إدارة البلاد. وكتبت قبل أسبوعين في هذا العمود عن «فرصة نادرة» للخروج بحكومة بعيدة عن الاعتبارات الطائفية، والتركيز على بناء مؤسسات الدولة على أيدي وزراء مختصين وتكنوقراط. ولكن حذرت أيضاً من أنها فرصة «قد تضيع»... وها هي على أبواب أن تضيع، وشبح الطائفية يبدو عنيداً.
هناك من يقول بأنه لا يمكن تجاهل إشراك «الفتح» في الحكومة الجديدة، بعد حصولها على ثاني أكبر عدد من المقاعد في البرلمان. ولكن هذا ليس عذراً، إذ إن «الفتح» توجهاتها تناقض التوجهات المعلنة لـ«سائرون»، والتي على أساسها تم التصويت لكل منهما. وكان موقف الصدر المعارض لحمل الميليشيات للسلاح ورفض المحاصصة الطائفية من أبرز المواقف التي زادت من شعبيته بين العراقيين، بغض النظر عن تحفظهم على سلوكيات بعض من أتباعه؛ إلا أنه اليوم يتحالف مع أبرز مجموعة تصر على إبقاء السلاح خارج سيطرة الحكومة.
كثيرون عتبوا، وآخرون سخروا، ممن عبر عن تفاؤل حذر من قدرة الصدر على قلب موازين الحكم في العراق. ولكن من حق العراقيين أن يأملوا وأن يبحثوا عن فرص للخروج من حالة الاضطراب التي نتجت عن الاصطفاف الطائفي في البلاد. فهذا التخندق الطائفي لا يعكس الواقع الاجتماعي الحقيقي؛ بل يعكس الواقع السياسي الذي خلفته حرب عام 2003، ومن استفاد من وضع أسس النظام السياسي الجديد للعراق.
حاولت مجموعة من العراقيين منذ سنوات أن تتفادى استخدام التسميات الطائفية، ووصف مجموعة بـ«شيعية» أو «سنية» أو غيرها، إذ إن المشهد معقد، وتبسيط الأمور يؤدي فقط إلى السطحية. ولكن في الواقع، ماذا يجمع بين الصدر والعامري غير أنهما رجلان يؤمنان بالإسلام السياسي الشيعي؟
المشاورات مستمرة بين الكتل المختلفة، ودخلت الآن مرحلة ترجيح أسماء شخصيات سياسية يمكن أن تشكل الحكومة المقبلة. ولكن هذه تأويلات من المبكر الاعتماد عليها، وعدد ليس قليلاً من الأسماء تطرح لتكون أقرب إلى بالونات اختبار لجس نبض الكتل السياسية الأخرى والدول ذات النفوذ في العراق. هناك أسماء تطرح لتولي مناصب أخرى في الدولة.
في الواقع، من الصعب على كثير من المستقلين والتكنوقراط المشاركة في حكومة ذات توجه طائفي. وهذه هي المشكلة التي حالت دون انخراط كثير من الكفاءات العراقية في الحكومات السابقة. وكأنها حلقة مفرغة، الساسة يطالبون بتكنوقراط ويعتبون على من يبقى خارج دائرة الحكم، ولكن من يشترك في الحكومة يخشى من أن يجرد من الهوية المهنية، وتتم تزكيته من أحد الأحزاب المبنية على اعتبارات طائفية أو إثنية.
فما الحل؟ ما المخرج للحد من تسييس الدين والطائفة؟ هناك عدة خطوات يبقى العراق في حاجة إليها، على رأسها إقرار الساسة والمتنفذين في العراق أن المحاصصة الطائفية والانقسامات المذهبية والإثنية ستمنع البلد من التقدم مهما كان، ولن تسمح له بالخروج من حلقة الأزمات. كما أن العراق بحاجة إلى معارضة فعالة تستطيع طرح الحلول البديلة بجدية. إحدى مشكلات العراق اليوم انعدام معارضة فعالة لا تحمل السلاح. وحمل السلاح لا يؤدي إلا إلى الضرر بالشعب والدولة. وهناك حاجة لنمو وتعزيز نهج خدمة الشعب في صلب العمل العام، بدلاً من المصالح الحزبية أو الشخصية.
النقاشات السياسية حول تشكيل الحكومة في العراق لا تجري بمعزل عن الواقع الصعب اليومي في البلاد. فمن جهة هناك تهديد تركي بقطع المياه مجدداً عن دجلة، ومن جهة أزمة الكهرباء تشتد مع شدة الصيف. وما زال خطر الإرهابيين قائماً؛ خاصة أن زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي ما زال طليقاً. وهناك معاناة العراقيين الذين يحسون بغربة داخل بلادهم، بعد أن شردتهم «داعش» من دورهم ومدنهم، أو المعارك لدحر «داعش»، وبعد أن هجر آخرون بسبب الاقتتال الطائفي. وتتزامن النقاشات السياسية مع مرور عام على تحرير الموصل من «داعش». 
وبينما انشغل الساسة بالمناورات السياسية، ذكرت الممثلة الأميركية أنجلينا جولي العالم هذا الأسبوع، باستمرار معاناة أهالي الموصل، وخاصة الساحل الأيمن من المدينة. وقالت إن ما رأته هناك أسوأ من أي وضع آخر رأته خلال جولاتها سفيرة للنوايا الحسنة للأمم المتحدة، بما في ذلك مآسي سوريا وميانمار. وزيارة جولي تتزامن مع أسبوع من الفعاليات حول اليوم العالمي للاجئين، الذي يصادف 20 يونيو (حزيران). هذا اليوم العالمي الذي يمس حياة الملايين من العراقيين والسوريين والليبيين واليمنيين، وبالطبع يمس حياة الفلسطينيين وغيرهم.
من المفارقات أن كثيراً من ساسة العراق اليوم كانوا من لاجئي الأمس. عاشوا معاناة التشريد والتهجير في السابق. كان المتضررون من نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين يحلمون باليوم الذي يأتي فيه من يشعر بمعاناتهم، ويمنع تشريد العراقيين من جديد. ولكن بعد 15 عاماً من إسقاط نظام صدام حسين، بات هناك نحو 4 ملايين عراقي مشردين داخل بلادهم، وملايين اللاجئين العراقيين خارجه، بعضهم انتقل إلى دول أخرى وتجنس ونسي أمر العودة، وآخرون ما زالوا ينتظرون الفرصة للعودة إلى دورهم للعيش بكرامة وأمان. فهل الحكومة المقبلة، بناء على التحالفات التي ذكرت، قادرة على حماية هؤلاء وتحقيق طموحات المواطن الذي يتمنى حكومة عراقية وطنية عابرة للطائفية والعرقية والجهوية؟

نقلا عن الشرق الاوسط 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شبح الطائفية يهدد العراق مجدداً شبح الطائفية يهدد العراق مجدداً



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
  مصر اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 11:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:30 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل
  مصر اليوم - جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل

GMT 21:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سيد الناس يعيد بشرى للمشاركة في دراما رمضان
  مصر اليوم - سيد الناس يعيد بشرى للمشاركة في دراما رمضان

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:00 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء الروس يطورون طائرة مسيّرة لمراقبة حرائق الغابات

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 20:12 2024 الخميس ,15 آب / أغسطس

عمر كمال يوجه رسالة مؤثرة لأحمد رفعت

GMT 10:00 2016 الأربعاء ,09 آذار/ مارس

إصبع ذكي يعيد حاسة اللمس للاصابع المبتورة

GMT 23:53 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

مصمم مغربي يطرح تشكيلة راقية من القفطان الربيعي لموسم 2016

GMT 05:09 2015 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

توثيق ازدهار ونهاية مؤسس "داعش" أبو مصعب الزرقاوي

GMT 21:24 2017 السبت ,09 أيلول / سبتمبر

5 مواقف فتحت النار على سهير رمزي بعد خلع الحجاب

GMT 05:22 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

خبيرة موضة تقدم نصائح لارتداء فساتين الصيف خلال الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon