توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل انتهت حرب سوريا؟

  مصر اليوم -

هل انتهت حرب سوريا

بقلم : مينا العريبي

على الرغم من استمرار المعارك في مناطق عدة من سوريا، وتهجير نحو نصف شعبها، والقصف الإسرائيلي المتكرر لأراضيها وانتهاك سيادتها، يتحدث البعض وكأن الحرب في سوريا قد انتهت. نعم هناك تطورات عدة لا يمكن نكرانها، مثل إعادة النظام السوري سيطرته على مدن مثل درعا وحلب بدعم إيراني - روسي، بالإضافة إلى تراجع وضع المعارضة السورية، قلبت الموازين العسكرية لمصلحة النظام السوري. كما أن قدرة النظام وداعميه الأجانب على استعادة المناطق المجاورة للعاصمة أعاد الاستقرار إلى معقل الحكم وساعد على إضفاء أجواء استقرار سطحية يشير إليها من يزور دمشق هذه الأيام. ولكن الحرب الأهلية تأخذ أشكالاً مختلفة، غير الحروب التقليدية بين الدول. وتشتيت المعارضة وإخماد شعلتها لا يعني بالطبع انتهاء الصراعات الداخلية التي يمكن إشعالها في أي لحظة - كما رأينا مع مصاب السويداء الأسبوع الماضي بهجمة أدت إلى مقتل 200 ضحية في يوم واحد.

بالطبع، انتهاء الحرب في سوريا واستقرارها أمر مرغوب تحقيقه من أجل شعبها ومن أجل المنطقة برمتها. ولكن يجب التوقف قبل إعلان أن الحرب منتهية وبكل تأكيد يجب عدم التسرع بإعلان «الفائز» من هذه المأساة.

لم تنتهِ الحرب بعد ولكنها دخلت مرحلة جديدة، مرحلة لا توجد فيها معارضة متفق عليها يمكن التفاوض معها وترتيب المرحلة المقبلة، بل تشتت المعارضة، بينما لم يعد النظام السوري سيد قراره بل يعتمد على داعمين خارجيين لحسم أي موقف. تكاثر الجهات المسلحة وتشرذم أصحاب القرار في سوريا يصعب من العملية السياسية التي لا يمكن التقدم من دونها. وضع خريطة طريق للخروج من الأزمة وإعادة بناء الدولة السورية يتطلب إقراراً حقيقياً من النظام السوري بعملية مصالحة وترميم للمجتمع. ولكن في الواقع، النظام يعتبر أنه كسب عسكرياً. ولا يوجد من يرده. فإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تخلت عن مطلب رحيل بشار الأسد وباتت تركز فقط على محاربة «داعش».

من غير المعلوم ما تم الاتفاق عليه بين الرئيس ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين الشهر الماضي في قمة هلسنكي - الأمر الذي ما زال يشغل الأوساط السياسية والإعلامية الأميركية. ولكن بات من الواضح أن واشنطن تركت الأمر إلى موسكو، القرار الذي يعود نسبياً لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما. أما الدول الأوروبية فهي اليوم منشغلة فقط بسبل إعادة اللاجئين السوريين أو على الأقل منع تدفق المزيد منهم إلى أراضيها. أما تركيا فقد باتت شريكة مع إيران وروسيا في تقرير مناطق نفوذ داخل سوريا وتبحث عن مصالحها. والدول العربية التي كانت تعتبر سوريا من أهم قضاياها تراجع موقفها منذ أن باتت المناقشات الدولية حول سوريا في آستانة تتم بغياب أي صوت عربي. القصف الإسرائيلي شبه الأسبوعي على سوريا يبرهن على عدم اكتراث نظام الأسد بالسيادة، بل الحرص أولاً وأخيراً على البقاء في السلطة، مهما كان الثمن.

النظام السوري ينتهز هذه المرحلة ويريد تصفية حسابات وملفات عدة لمصلحته. قرار إصدار شهادات وفاة - فاقت الألف في يوم واحد - لمعتقلين في سجون النظام يؤشر على أن السلطات الأمنية لا تخشى من محاسبة. قبل سنتين كان الحديث كثيراً عن محاكمة المسؤول عن جرائم حرب - وقتل المعتقلين من دون محاكمة جريمة واضحة - ولكن اليوم يشعر النظام بأنه قادر على التصرف من دون محاسبة، ولذا يصدر شهادات الوفاة ويحاول إغلاق ملفات المعتقلين والمفقودين وطي تلك المرحلة الشائكة. إلا أن هذه الأمور لا تحسم بإصدار شهادة وفاة. ولا يمكن التوقع أن الملايين من السوريين الذين فقدوا أحبابهم أو منازلهم أن يتخلوا عن حقوقهم بهذه البساطة. لذا فإن العمل على إنهاء الحرب يعتمد على عملية سياسية تضع أرضية لإعادة السيادة السورية وتضع آلية للحكم.

ما زال المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا يعمل على صياغة دستور جديد لسوريا بمشاركة 3 فئات؛ النظام والمعارضة وفئات المجتمع المدني. ولكنّ هناك أطرافاً لا تنضوي تحت هذه التسميات الثلاث، مثل قوات سوريا الديمقراطية التي تمثل الأكراد ولا تعتبر جزءاً من النظام أو جزءاً من المعارضة، ومع حملها للسلاح يصعب اعتبارها جزءاً من المجتمع المدني. صياغة الدستور ليست بالأمر السهل في أي ظرف وخاصة مع ظروف سوريا وتعقيداتها. لكن يبدو أن الأطراف الخارجية المؤثرة متفقة على جعلها نقطة انطلاق العملية السياسية.

من جهة أخرى، تعقد لقاءات في عواصم أوروبية وفي دوائر البنك الدولي حول إعادة إعمار سوريا. لا شك أن إعادة الإعمار أمر مهم ومطلوب، ولكن من المبكر الحديث عنه من دون عملية سياسية تصون ما يمكن إعماره. اجتماع بروكسل العام الماضي شمل 70 دولة ومؤسسة تعهدت بالمساهمة في إعادة الإعمار، ولكن الإعمار لن يحدث من دون النظام السوري وهو يطمح لجعل إعادة الإعمار فرصة لإثراء رجال الأعمال والمرتزقة. يقدر البنك الدولي أن التكلفة قد تصل إلى مائتي مليار دولار - ولكن هذه ليست أموالاً تستثمر من أجل السوريين، بل يخشى أن تتحول هذه الأموال لتدعم عجلة اقتصاد الحرب التي تمول المسلحين والمستفيدين من القتال.

أبدت روسيا وإيران عدم رغبتهما في تحمل عبء المشاريع المطلوبة لإعمار البلاد، وتنظر روسيا إلى دول عربية وأوروبية للمساهمة، إلا أن القصف الجوي الذي أدى إلى هدم الآلاف من المنازل والمباني السورية كان من قبل النظام وداعمه الروسي. فمن غير المعقول أن تتحمل مسؤوليتها المالية دول أخرى. ملف إعادة الإعمار، مثل ملف إعادة اللاجئين، يمكن تداوله ومناقشته وعقد مؤتمرات حوله. ولكن في النهاية لا جدوى حقيقية منه دون إنهاء الحرب - ووضع آلية لإعادة السيادة السورية حقيقة.

إن كان هناك من يروج بين الشك واليقين أن نظام الأسد قد كسب الحرب، فإن هناك من يعلم بألم أن سوريا قد خسرتها يقيناً.

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

نقلا عن الشرق الأوسط

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل انتهت حرب سوريا هل انتهت حرب سوريا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon