بقلم : مينا العريبي
«أنظمة الأسلحة الفتاكة المستقلة»؛ هذا المصطلح الغريب هو المصطلح المتعارف عليه في وصف الروبوتات القتالية التي يجري تطويرها من قبل كبرى الصناعات العسكرية، والتي تنذر بمستقبل جديد للحروب بدأنا نراه مع الاعتماد المتزايد على الطائرات دون طيار القتالية (المعروفة أيضاً باسمها باللغة الإنجليزية «درون»)، التي أصبحت أداة أساسية في الحروب الأميركية. وبينما الطائرات من دون طيار لديها استخدامات عدة؛ من المراقبة إلى توصيل البضائع، إلا أن دورها القتالي هو الذي يثير مخاوف من زيادة العمليات العسكرية من دون إعلان حالة حرب رسمية أو إمكانية محاسبة من يقصف المناطق المدنية. وهذه فقط البداية، فميزانية الولايات المتحدة لهذا العام فيها 18 مليار دولار مخصصة للعلوم والتقنية، جزء كبير منها لتطوير الأسلحة التي تعتمد أقل فأقل على العامل البشري.
الحديث عن «الروبوتات القتالية» يأتي ضمن تقييم التغييرات التي تطرأ على العالم مع التقدم التقني المتسارع. وإثارة هذه القضية لا تعني الوقوف ضد التقدم التكنولوجي، بل تسليط الضوء على سرعة المتغيرات التي نعيشها وضرورة وضع القيود والحدود على التطورات التي قد تعود بضرر أكبر من منفعة. كما أن الكثير من هذه التقنيات يتم تحديثه من قبل شركات خاصة، وليس من حكومات لديها مسؤوليات مباشرة أمام شعوبها وأمام الدول الأخرى. وهذه مسألة باتت تثير مخاوف حتى بعض أهم المؤثرين في عالم التقنيات أنفسهم. وقد قام مؤسس شركة «تيسلا» للسيارات الكهربائية إيلون ماسك والباحث في الذكاء الصناعي في شركة «غوغل» مصطفى سليمان وعدد من رواد عالم التقنيات، بتوجيه رسالة إلى الأمم المتحدة الصيف الماضي للمطالبة بوضع حظر على تطوير الروبوتات القتالية. وحتى الآن، لا توجد قيود قانونية أو دولية على تطوير مثل هذه الأسلحة الفتاكة التي قد تغير وجه الجيوش والشرطة حول العالم.
وبينما لا شك في أهمية الذكاء الصناعي، فإن السؤال يبقى عما يسمى بـ«الذكاء العاطفي» للروبوتات. فهل يطور العلماء داخل العقل الصناعي قدرة على الرحمة والتعاطف الضرورية في التعامل؟ إذا كان بإمكان جندي أن يعطف على مدني يطلب منه الرحمة، فإن الروبوتات القاتلة ستعمل بناء على أوامر حرفية، لا مجال للعامل الإنساني العاطفي فيها. وحتى سنوات قليلة، كان الحديث عن الروبوتات القاتلة مقتصراً على أفلام هوليوود، إلا أنها باتت ضمن واقعنا الحالي مع تقدم التطور في الذكاء الصناعي والتقنيات الروبوتية. وخلال 3 جلسات مختلفة في «منتدى الاقتصاد العالمي» بدافوس الأسبوع الماضي، سمعت الحديث عن «أنظمة الأسلحة الفتاكة المستقلة» وتأثير الذكاء الصناعي على الصناعات العسكرية. وتزداد المطالبة من قبل قيادات سياسية واجتماعية من دول عدة باتخاذ إجراءات ملموسة لوضع تشريعات محددة حول استخدام هذه التقنيات، وضرورة وضع حد لقدرة الروبوتات باتخاذ قرارات مستقلة. ونوقشت في جلسات عدة في «دافوس» التطورات التقنية والثورة التي تحدثها التكنولوجيا على جميع الأصعدة ولكن البعض دقوا ناقوس الحذر من تجاهل العوامل السلبية للتكنولوجيا.
لا يمكن إنكار التأثير الإيجابي الإجمالي الذي أحدثته التكنولوجيا في حياتنا، العملية والخاصة، وما تقدمه من فوائد من بينها قدرتي على كتابة هذا المقال في أبوظبي وإيصاله إلى لندن بكبسة زر خلال ثانيتين. ولكن المطلوب المزيد من الشفافية لفهم تداعيات التطورات التقنية ومن الطرف المسؤول عن حماية الناس من تلك التداعيات.
من الأسباب التي تدفع الكثير من القيادات العالمية إلى المشاركة سنوياً في اجتماعات «منتدى الاقتصاد العالمي»، طرح أحدث التقنيات من حول العالم هناك، بوجود أهم أساتذة الجامعات المهتمة بالتقنيات مثل «إم إي تي» و«ستانفورد» الأميركيتين. فالمنتدى الاقتصادي قرر منذ سنوات التركيز على «الثورة الصناعية الرابعة» - أي ثورة التقنيات الحديثة، وخصوصا شبكة الإنترنت وربط جميع عناصر الحياة بها، من الاتصالات إلى المعلومات الطبية. وفي إحدى جلسات المنتدى، تحدثت بروفسورة أميركية عن دور الذكاء الصناعي في الطب، وخصوصاً في تشخيص السرطان. وفي تجربة لجامعة «إم إي تي» الأميركية أخيراً، تمت بناء على استخدام الذكاء الصناعي، كانت نسبة الدقة في تشخيص المصابين بالسرطان 97 في المائة، كما تم خفض نسبة العمليات الجراحية بمقدار 30 في المائة مع التشخيص السليم عبر الذكاء الصناعي. العنصر الأساسي في إنجاح استخدام الذكاء الصناعي للتشخيص الطبي هو زيادة عدد الحالات المدروسة وتوسيع المعلومات المخزنة. ولكن من يملك هذه المعلومات؟ هل يحق لأي مستشفى تقديم ملفات مرضاه لهذه الاختبارات التقنية أم على المريض تقرير ذلك؟ هذه من بين الأسئلة التي طرحت في «دافوس» الأسبوع الماضي حول أخلاقيات الخصوصية وملكية المعلومات. في جلسة أخرى، تحدثت باحثة هندية عن تحديد هوية أي شخص من خلال صوته، مع تقدم التقنيات لدراسة الصوت واستخدام الذكاء الصناعي لتحديد عناصر مثل العمر ومكان المتحدث... إلخ. كما طرحت قضايا مثل التعامل مع عملة «بيتكوين» الإلكترونية، وتحديث المدن لتستوعب السيارات دون سائق، وغيرها من تطورات سنراها تنتقل إلى حياتنا اليومية خلال السنوات المقبلة.
الذكاء الصناعي هو المفتاح الأساسي للروبوتات وقدرتها على المساهمة في المجال العملي والتقني. كل هذه التقنيات يمكن استخدامها لأغراض سلمية مفيدة للمجتمع أو يمكن توظيفها لخدمة مصالح ضيقة لا تصب في الصالح العام. ولكن هذه الطروحات ليست جديدة. فالطاقة النووية من أشهر الأمثلة، يمكن استخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء أو الأشعة الطبية، ويمكن استخدامها لبناء قنبلة نووية. في النهاية ما يحدد استخدامها مزيج من القوانين والتشريعات التي يجب تبنيها على صعيد دولي.
الثقة في الجهة المطورة للتكنولوجيا، والجهة القادرة على استخدامها، تعتمد على الشفافية ووضع التشريعات الملائمة. وهنا على الدول والحكومات أن تلعب دوراً ملموساً وفعالاً. لا يمكن ترك هذه القضية بيد العلماء أو الشركات التقنية العملاقة فقط - ولكن يجب ألا تصبح هذه الجهود أداة لتقييد التطور، بل أداة لتشذيب هذا التطور وحكره للمصلحة العامة. الروبوتات بدأت تدخل عالمنا أكثر فأكثر، فيجب التوصل إلى اتفاقات واضحة حول من يحكمها وبأي هدف.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه