بقلم: مينا العريبي
«رئتا العالم»... هذه التسمية المتعارف عليها عند الإشارة إلى غابات الأمازون الاستوائية التي تعتبر مصدراً أساسياً للأكسجين في العالم، إذ تنتج الغابات 20 في المائة من الأكسجين على الكرة الأرضية، وتحتضن أكثر من 3 ملايين نوع من النبات والحيوان. وعلى الرغم من أن «رئتي العالم» أساسية لوجودنا جميعاً، فإنه من النادر أن يفكر فيها العامة، ما عدا المختصون بشؤون البيئة وسكان أميركا الجنوبية. فغابات الأمازون مثل صحة المرء، لا ننتبه لها إلا عندما تكون في خطر، ونقدّر حينها أهمية هذه الثروة الطبيعية وضرورة حمايتها.
خلال الأسبوع الماضي، راقب العالم باندهاش حرائق تلتهم غابات الأمازون، وانتشرت صور تظهر النيران وهي تضطرم بأشجار الغابة الاستوائية الأكبر في العالم؛ مما أظهر مدى الضرر الذي طال الغابات. وقد تم رصد أكثر من 78 ألف حريق في البرازيل هذا العام، أكثر من نصفها وقع في الأمازون. وما زالت الحرائق مستمرة، ومن غير المعلوم متى سيتم إخمادها بسبب مزيج من عوامل الجفاف والسياسات الخاطئة من قبل الحكومة البرازيلية.
ومن المثير أن رئيس البرازيل جايير بولسونارو رفض التعامل بجدية مع حرائق الغابات الاستوائية، قائلاً إن المسألة داخلية وستتم معالجتها في الوقت المناسب؛ إذ إن 60 في المائة من أراضي غابات الأمازون ضمن حدود البرازيل. وقد رفض الرئيس الانعزالي المساعدة الدولية لبلاده وتأخر أياماً عدة في إرسال قوات عسكرية للعمل على إخماد الحرائق. وكل ذلك يأتي بعد أن عرف الرئيس اليميني بدعمه لبعض الجماعات التي تريد أن تستغل أراضي غابات الأمازون لأغراض تجارية، ضمن جدال واسع داخل البرازيل حول مستقبل الأراضي الخلابة والخصبة، التي تعتبر إرثاً عالمياً في غاية الأهمية. ولم يُخفِ بولسونارو سياساته المثيرة للجدل؛ إذ أعلن مرات عدة خلال حملته الانتخابية ومنذ انتخابه رئيساً للبلاد بأنه يدعم المزارعين الذين يريدون استخدام أراضي الغابة للزراعة، بدلاً من حمايتها، كما أنه يعتبر من أشد المناهضين لسياسات مكافحة التغيير المناخي. وقد أمر بولسونارو بخفض ميزانية الوكالة المسؤولة عن مراقبة البيئة بنسبة 24 في المائة منذ بداية العام الحالي.
حرائق الأمازون تجسد العجز الدولي الحقيقي في مواجهة التغيير المناخي – خاصة بوجود رئيس أميركي يرفض التعامل مع هذه القضية، بل يشكك في البحوث العلمية التي تؤكد الخطر الجسيم الذي يواجه العالم. لكن مع تفاقم الأزمة، تصاعدت الأصوات الأوروبية والدولية للتعامل مع هذه الأزمة، على رأسها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي جعل القضية في قمة أجندة اجتماعات مجموعة السبع في فرنسا. وأعلن ماكرون أن قادة مجموعة العشرين اتفقوا على مبادرة «طموحة» لمعالجة هذه الأزمة، تشمل دعماً بقيمة 20 مليون دولار للدول التي تحتضن غابات الأمازون. لكن رد الرئيس البرازيلي كان غاضباً؛ إذ أطلق فوراً سلسلة من التغريدات على «تويتر» بأنه من غير المقبول معاملة البرازيل على أنها «مستعمرة»؛ إذ اعتبر أنه تم إطلاق مبادرة من دون إشراك بلاده بالقرار.
وفي عصر الحمائية والانعزال الدولي الذي نشهده من رؤساء مثل بولسونارو، نرى سياسات تضر بمصالح الدول نفسها وبمصالح جماعية. فقد رفض الرئيس البرازيلي أي دور دولي لحماية الغابات الاستوائية، وصرح بأن الغابات هي ملك البرازيل ومن حق بلاده التعامل مع هذه الكارثة بالطريقة التي تختارها. لكن بعد تهديدات جدية بمقاطعة اقتصادية من قبل أوروبا، أعاد بولسونارو النظر في موقفه وسمح بإرسال قوات للمساعدة في إخماد الحرائق. إلا أنه ما زال رافضاً للعمل على حلول دولية لمعالجة هذه الأزمة.
أما في العالم العربي، من النادر ما تهتم الأوساط السياسية بشكل جدي بقضايا البيئة، ما عدا استثناءات قليلة. فمنطقة الشرق الأوسط المضطربة مليئة بالحرائق السياسية؛ مما يجعل البعض يغفل عن أن الأمن الوطني مرتبط ارتباطاً جذرياً بأمن المناخ والبيئة.
تعاني المنطقة من سياسات قصيرة الأمد، وقلما يتم العمل بسياسات بعيدة الأمد لمعالجة مشاكل التغيير المناخي والزراعة والبيئة والأمن الغذائي. لا يخفى على المراقب بأن المنطقة تمر بأزمات سياسية وأمنية شديدة؛ مما يجعل البعض يقول إن مشاكلنا من حروب وصراعات سياسية تجعل من الصعب أن نكترث لأزمة الأمازون التي تقع على بعد ملايين الأميال من أراضينا. لكن في الواقع، الهواء الذي نستنشقه والمياه التي نشربها لا تعرف الحدود. كما مشاكل التغيير المناخي تؤثر على الدول العربية بشكل يومي وتحتاج إلى حلول ملحة. الحرائق التي طالت أراضي زراعية داخل العراق وسوريا والأردن هذا الصيف أدت إلى فقدان آلاف المزارعين العرب محصولاتهم، وستكون لها تبعات وخيمة على المنطقة. لكن لم تتخذ إجراءات لمنع تكرار هذه الحرائق، بل من المتوقع أن ننتظر حتى الصيف المقبل لتتكرر المأساة.
لقد استضافت أبوظبي في يونيو (حزيران) الماضي اجتماعاً دولياً لمعالجة قضية التغيير المناخي، وكان هذا هو الاجتماع التمهيدي لقمة يستضيفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الشهر المقبل على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة للتعامل مع أزمة التغيير المناخي. القمة المناخية تسعى إلى إقناع دول مثل الولايات المتحدة والصين والهند بأنه من الضرورة التعامل مع الأزمة المخيفة فيما يخص المناخ. على القادة اتخاذ قرارات جريئة تخص سياسات بعيدة الأمد، لحماية الأجيال المقبلة في وقت باتت السياسات القصيرة الأمد هي التي تحكم القرارات السياسية. حماية الأمازون، وحماية الأراضي الزراعية العربية، هي جزء لا يتجزأ من أمننا العام الذي علينا إلا نفرط فيه.