توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أسئلة برسم انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني

  مصر اليوم -

أسئلة برسم انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني

بقلم : ماجد كيالي

 تواجه القيادة الفلسطينية اليوم، في دعوتها لانعقاد المجلس الوطني (الدورة 22) عديد من الاستحقاقات، أولاها، انهيار عملية التسوية التي تأسّست على اتفاق أوسلو (1993)، وخيار المفاوضة، وأفول الرؤية التي تقوم على حل الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة والقطاع، ليس بسبب جزئية هذا الحل وهشاشته وإنما بسبب الرفض الإسرائيلي. وثانيها، تلاشي مراهنتها على الولايات المتحدة باعتبارها راعياً نزيهاً ووسيطاً محايداً وضامناً موثوقاً لعملية السلام، المستمرة منذ قرابة ربع قرن، لا سيما أن إدارة ترامب أطاحت بكل القضايا التي كان يفترض التفاوض بشأنها مع إسرائيل، وهذا لا يتعلق بالقدس فقط، وإنما يشمل قضايا اللاجئين والمستوطنات والحدود أيضاً. وثالثها، غياب الحاضنة العربية الداعمة لكفاح الفلسطينيين، أو انحسار العمق العربي للقضية الفلسطينية، ومع اعتبار الأنظمة العربية بأن إيران هي التي تشكل خطراً داهماً عليها في المرحلة الحالية، لا سيما مع تدهور أحوال المشرق العربي من العراق إلى سورية (إضافة إلى لبنان واليمن). ورابعها، الشعور بتضعضع الفكرة القائمة على اعتبار أن قضية فلسطين هي القضية المركزية للأمة العربية، وأن الفلسطينيين يملكون مفتاح الحرب والسلام مع إسرائيل، إذ تبين كل ذلك عن مجرد أوهام أو ادعاءات للاستهلاك أو توظيفات سياسية لهذه القضية أو لقضية الصراع ضد إسرائيل.

الفكرة الأساسية هنا أن الفلسطينيين باتوا اليوم وحدهم، ربما أكثر من أي فترة مضت، لكن ذلك ليس، فحسب، في مواجهة إسرائيل، ما يذكّر بالصيحة الشهيرة والموجعة للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات: «يا وحدنا»، إذ أنهم باتوا وحدهم، أيضاً، حتى إزاء التحديات التي تواجههم، إذا استثنينا الدعم المادي الذي يصل إلى موازنة السلطة، من هذه الدولة العربية أو تلك، لتمكينها من الوقوف على قدميها، إذ في ما خلا ذلك فإن مجمل الأنظمة العربية مشغولة بأوضاعها الداخلية، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومشغولة بمواجهة إيران، ومشغولة بالتغيرات الحاصلة في النظام الدولي، وضمن ذلك تضعضع اعتماديتها في الاستقرار على الولايات المتحدة الأميركية.

وربما أن ما يفترض إدراكه، وتأكيده، هنا أن مشكلة القيادة الفلسطينية، في الظروف والمعطيات الراهنة، لا تتعلق، فقط، بـ «انقلاب» الموقف الأميركي، أو في انهيار الحاضنة العربية، أو في السياسة الإسرائيلية القائمة على تكريس واقع الاحتلال، عبر الاستيطان وتهويد القدس وبناء الجدار الفاصل ومصادرة الأراضي، وحصار غزة، وتعميق الهيمنة الأمنية، والتبعية الاقتصادية، في التجارة والمعابر وشبكة البني التحتية، إذ هي فوق كل ما تقدم، تتمثل، أيضاً، في النواحي الذاتية، المهمة، الآتية: أولاً، أن مواردها السياسية والبشرية والمادية محدودة، مع سيطرة إسرائيل على كل شيء، واعتمادية النظام الفلسطيني القائم (المنظمة والسلطة) على الشرعية الدولية والعربية والموارد المالية المتأتية من الدول المانحة أو الراعية لعملية السلام، وهي اعتمادية تفيد بتقييد الخيارات الفلسطينية وتصعيبها أو السيطرة عليها. ثانياً، أن هذه القيادة لم تحتاط لتغيرات الزمن وتقلبات السياسة بإيجاد خيارات سياسية بديلة أو موازية، بل إنها أصرت على حصر نفسها، لأكثر من أربعة عقود، في خيار وحيد هو إنشاء دولة فلسطينية مستقلة في الضفة والقطاع، وأنها رهنت ذلك، منذ ربع قرن باتفاق أوسلو، أي بالاعتماد على ما تقدمه إسرائيل من «تنازلات»، وعلى دعم الإدارات الأميركية لهذا الخيار، وكلها تكشفت عن إخفاقات أو عن توهمات. ثالثاً، أن الكيانات أو البني الفلسطينية السائدة (المنظمة والسلطة والفصائل والإطارات المنبثقة عنها)، باتت مستهلكة ومتقادمة ومتكلسة، وباتت تعيش أو تعيد إنتاجها على الواقع السائد، بمعنى أنه من المتعذّر، ومن غير المعقول، التعويل عليها لمواجهة التحديات الجديدة المطروحة، هذا دون الحديث عن إمكانية ممانعتها لأي خيارات جديدة قد تهدد وضعها، بالنظر لاستمرائها الواقع الذي اعتادت على العيش فيه. رابعاً، ثمة مشكلة تآكل الشرعية، فالحديث يدور عن انعقاد دورة جديدة للمجلس الوطني، أعلى هيئة تشريعية فلسطينية، في وقت باتت فيه تركيبة هذا المجلس تعاني من الشيخوخة، أي أن انعقاد اجتماع له يتطلب إعادة النظر في عضويته، وضمن ذلك شرعنة هذا الأمر، مع علمنا بأن هذا المجلس لم يعقد دورة اجتماعات له منذ العام 1996، أي منذ 22 عاماً، وأن معظم أعضائه أضحوا في الثمانينات أو فيما بعد السبعينيات (أطال الله في أعمارهم). هذا مع العلم أن مشكلة تآكل الشرعية تطال كيان السلطة ذاتها، التي لم تجر انتخابات لها، لتجديد شرعية الرئيس والمجلس التشريعي، منذ أكثر من عقد.

خامساً، المسألة الأهم بتقديري، التي يفترض أن يقف إزاءها المجلس الوطني، وكل الإطارات القيادية، تتعلق بإخفاق الخيارات النضالية التي تم انتهاجها طوال نصف قرن، وهذا لا يتوقف على إخفاق خيار المفاوضة أو التسوية، بالنحو الذي سارت عليه، ووفقاً للرؤية السياسية التي حكمتها، وإنما يشمل ذلك خيار المقاومة المسلحة، أيضاً، التي طبعت الحركة الوطنية الفلسطينية بطابعها، في الرؤى والبنية، منذ أكثر من نصف قرن، إذ أن هذا الخيار عدا عن ثبوت عقمه في الصراع ضد إسرائيل، في التجربة، فإنه أيضاً أضر بالفلسطينيين، وأعاق تطورهم السياسي، ناهيك عن انغلاق العوامل التي كانت تدفع إليه أو تشجعه عليه، إذ لم يعد بالإمكان القيام بأي عمل مسلح ضد إسرائيل لا من الخارج ولا من الداخل، وحتى الفصائل لم تعد تقوم بذلك، رغم عدم شجاعتها في الإعلان عن هذا الأمر، ما يفسر احتفائها بأي عمل فردي في الأراضي المحتلة، كطعن بالسكاكين أو غير ذلك، من ردود أفعال ضد الاحتلال.

هذه هي المشكلات الأساسية التي يفترض أن تقف القيادة الفلسطينية، وكل قوى العمل الوطني الفلسطيني، لمناقشتها بدون مواربة في الاجتماع المقبل للمجلس الوطني، مع التأكيد على عدم التخفيف من حدة المشكلات الأخرى، كمثل قضية الانقسام بين الضفة وغزة، والخلاف أو التنافس بين فتح وحماس، وتعدد الشرعيات الفلسطينية، المنظمة والسلطة والفصائل، بيد أن تلك هذه كلها هي بتقديري تحصيل حاصل للمشكلات التي تم ذكرها.

بيد أن كل ذلك لا يمنع من الحذر من المبالغة في التعويل على اجتماع المجلس الوطني، لأن منظمة التحرير تعاني أساساً من التهميش لصالح السلطة، ولأن الحركة الوطنية الفلسطينية فقدت طابعها كحركة تحرر وطني، بعد أن أضحت بمثابة سلطة في الضفة والقطاع، أي سلطة تحت سلطة الاحتلال، على حد قول الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اجتماع المجلس المركزي الذي عقد أخيراً في رام الله. كذلك فإن التجربة تفيد بأن القيادة الفلسطينية، وفقاً لرؤاها وإدراكها لمحدودية قدراتها وخياراتها، لن تقوم بأي عمل من شأنه أحداث تغيير سياسي في الساحة الفلسطينية، إذ أن القرارات الصادرة عن اجتماعي المجلس المركزي (2015 و2018)، في شأن وقف التنسيق الأمني ووقف العمل وفقاً للملحق الاقتصادي لاتفاق أوسلو، وإعادة النظر بالاعتراف بإسرائيل، اعتبرت كلها بمثابة توصيات، بالنسبة للمنظمة والسلطة، ولا أحد يعرف من هي الجهة التي ستنفذ ذلك، أو إذا كان ثمة مستطاع لأي منها.

ليس القصد من هذا الكلام تثبيط الهمم، أو القول إنه ليس لدى الفلسطينيين ما يفعلونه، وإنما القصد الإشارة إلى مكامن الصعوبة التي تتعلق بقدرتهم على مواجهة التحديات التي تعترضهم، أو التي تتعلق بتغيير المعادلات السياسية، التي سادت منذ إقامة السلطة (1993).

بديهي أن هذه صورة لا تدعو إلى التفاؤل، باجتماع مجلس وطني أو من دونه، لكنها تحرّض على نبذ الأوهام، والكف عن اللف والدوران، وعلى البحث في الأسئلة المسكوت عنها في الصراع الإسرائيلي الدائر منذ سبعة عقود، وهذا موضوع بحث آخر.

نقلًا عن الحياة اللندنية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أسئلة برسم انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني أسئلة برسم انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليفربول يتواصل مع نجم برشلونة رافينيا لاستبداله بصلاح

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 06:59 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مواعيد مباريات اليوم الاثنين 23 - 12 - 2024 والقنوات الناقلة

GMT 08:20 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

ترامب وبوتين يتفقان علي إعادة النظام إلى الجنوب

GMT 09:31 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج العقرب

GMT 09:56 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

أخطاء مكياج شائعة تجعلك تتقدمين في السن
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon