بقلم - عزة كامل
لا محالة من أن نعيد تلك الشطرة من شعر المتنبى: «عيدٌ بأية حال عدت يا عيد..؟»، فلا عيد هنا فى غزة، ولا بهجة، ولا أضاحى، ولا أى معالم للطقوس المعتادة فى مثل هذا اليوم، هذا العام لا فرحة، ولا احتفالات صاخبة، لا أمان، ولا لمة عائلة، ولا ونس الأصدقاء الذين فرقتهم أو اغتالتهم الأحداث الوحشية، ربما يعزف أهل غزة عن تناول اللحوم، فالجثث التى رأوها ملقاة فى كل مكان، واللحم المتناثر بين أياديهم، وعلى كافة الطرقات الخربة، والحوائط الملطخة بالدماء، تكفى لكى تذكرهم بتلك الذبائح، والتى صارت تقليدا يمارسه المسلمون فى شتى بقاع الأرض.
كيف يكون هناك عيد وبهجة وأضحيات فى غياب كل مقومات الحياة الأساسية من طعام ومياه ورعاية طبية وانتشار أمراض وجثامين وسوء تغذية، وغياب كامل لأى برامج للحياة الطبيعية، لقد سرقوا منهم الفرحة والمرح ولعب الأطفال وابتساماتهم، فرحة عيد الأضحى التقليدية، والتى عرفتها بيوت وأهل غزة أجيالا تلو أجيال، فكيف تكون هناك أى فرحة، وفى كل بيت حداد وشهداء بالعشرات يوميا، كيف للفرحة أن تأتى والخيم التى هرب إليها النازحون تم حرقها على رؤوس ساكنيها، والمجازر ترتكب كل دقيقة، وهناك أطفال فقدوا أسرهم بالكامل؟، كيف تكون هناك فرحة، وأشكال الحداد متواصلة على أرواح الضحايا والمعتقلين؟.
الفلسطينيون يعيشون تحت النار والدمار والحصار، الأطفال يحملون أكفان أخواتهم الأصغر منهم، ويسيرون فى الطرقات المدمرة لا يدرون ماذا يفعلون بهذه الأكفان، وأين يذهبون بعد أن تهدمت ديارهم بالكامل، حتى الخيام الممزقة لا تستطيع أن تقيهم برد الشتاء، ولا من حر الصيف، ولا من نيران الصهاينة الغادرة.
أطفال شاخوا وشاخت قلوبهم الغضة، فالكوارث تكاثرت على قلوبهم وانفجرت، أما النزوح فهو «جحيم غزة»، كل النازحين يتمنون العودة إلى ديارهم المدمرة لينصبوا خيامهم هناك، أو ليموتوا فوق ركام الديار، أفضل لهم من هذا اللجوء القاسى، ربما سيصلون فوق ركام المساجد المنهارة وبين أنقاض المنازل المدمرة، وبين شواهد قبور الأحبة الذين استشهدوا فى الحرب، سيقضون عيد الأضحى وسط الضربات الجوية الإسرائيلية والقصف والهجوم، والخوف والذعر ومحاولة النجاة من هذه الضربات الوحشية، كل شىء دمر وغزة غير صالحة للعيش، والكل ينتظر الموت فى أى لحظة، وهم يرددون كلمات محمود درويش: «فى غزة شهيد، يسعفه شهيد، يصوره شهيد، يودعه شهيد، يصلى عليه شهيد»، «ما قيمة الإنسان بلا وطن، بلا علم ودونما عنوان».