بقلم - عزة كامل
يقدم أكتوبر أوراق اعتماده للعالم كله، أصوات القذائف والصواريخ تتداخل مع صراخ أطفال يحتضرون، مع شيوخ ونساء دججوا بمائة عام من المأساة، مأساة احتلال وحصار وتعذيب. بشر مدججون بالغضب والانفجار، غزة التى يريد الاحتلال إغراقها فى البحر وتهجيرها فى الصحراء، جعلت أطفالها رجالًا، وسط الدمار تزييف الحقائق ليصبح الضحية قاتلًا، والقاتل ضحية، وجعلتهم يكتبون وصاياهم لأنهم مشروعات استشهاد، ها هو طفل يلقن أخاه الشهادة: «عمر سامعنى احكى، ردد ورائى..»، وطفل آخر يقبل أخاه الشهيد فى عربة إسعاف ويصرخ: «بدى شعرة منه، مع السلامة يا عمرى..»، وأم تهرول فى أروقة المستشفى الذى قُذف، وتصرخ: «يوسف سبع سنوات، شعره كيرلى، أبيضانى، وحليوة»، ويكتشف الطبيب الذى يبحث عنه أنه ابنه الذى لم يتبين جثته من ركام الجثث، ويشتد ذهوله عندما يبكى ابنه الثانى، ويصرخ فيه: «بدى يوسف يا بابا»،
مئات الأطفال ملفوفون بأكفان بيضاء، ينزفون بقايا دمائهم التى شربتها الأرض، مازال قلب محمود درويش يعبر عن هذه المذابح الدموية والإبادة الجماعية: «ليست غزة أجمل المدن، ليس شاطئها أشد زرقة من شواطئ المدن العربية الأخرى، وليس برتقالها أجمل برتقال على حوض البحر الأبيض، وليست غزة أغنى المدن، وليست أرقى المدن، وليست كبرى المدن، ولكنها تعادل تاريخ أمة لأنها أشدنا قبحًا فى عيون الأعداء، وفقرًا وبؤسًا وشراسة لأنها أشدنا قدرة على تعكير مزاج العدو وراحته لأنها كابوسه، لأنها برتقال ملغوم، وأطفال بدون طفولة، وشيوخ بلا شيخوخة، ونساء بلا رغبات، لأنها كذلك فهى أجملنا وأكثرنا جدارة بالحب»، ستظل فلسطين عربية من النهر إلى البحر، والشعب الفلسطينى هو المقاومة الحقيقية لطغيان الاحتلال، ويجب أن يعلم العالم كله أن «طوفان الأقصى» سيُعيد القضية الفلسطينية حية وصامدة وسيرسم خريطة جديدة للمنطقة وطريقة تعاطى كل الدول الكبرى معها.
ويبقى لنا أن نردد كلمات محمود درويش: «قد ينتصر الأعداء على غزة، وقد ينتصر البحر الهائج على جزيرة صغيرة، قد يقطعون كل أشجارها، قد يكسرون عظامها، قد يزرعون الدبابات فى أحشاء أطفالها ونسائها، وقد يرمونها فى البحر أو الرمل أو الدم، ولكنها لن تكرر الأكاذيب، ولن تقول للغزاة نعم، وستستمر فى الانفجار، لا هو موت ولا هو انتحار، ولكنه أسلوب غزة فى إعلان جدارتها بالحياة، فاخرجوا من أرضنا.. من برنا. من بحرنا.. من قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنا.. من كل شىء واخرجوا من مفردات الذاكرة.. أيها المارون بين الكلمات العابرة».