بقلم - عزة كامل
فى الوقت الذى انشغلنا فيه جميعًا بالتحضير لاستقبال عيد الفطر، والاستمتاع بإجازة مصاحبة له طويلة، كان الصحفى «عماد الفقى» يربط حبلًا حول رقبته لينهى حياته تمامًا، انتحر لتنتحر معه أحلامه، وتتحول إلى مجرد أشلاء.
حاول كثيرون تفسير الكارثة ودلالاتها العديدة، وتحول فعل انتحار «عماد» إلى كابوس أسود يغرقنا بالمأساة والرعب فى آن واحد، خاصة أنه حدث فى مكان العمل انتحار يطرح علامات استفهام حادة وكبرى عن دوافعه، وعلاقته بالإدارة داخل الجريدة، وبهمومه فى حياته الشخصية واليومية.
اليأس وحش مخيف يولد الاكتئاب الذى ينهى حياة صاحبه، إنه كرة النار التى تتدحرج بسرعة جنونية نحو الروح، وتدمر فى طريقها كل نفس حية تبحث عن مرفأ آمن ترسو عليه، لكن هذا المرفأ تحول إلى نذير موت.
ترى ما الذى دفع الفقى للانتحار ووضع حد لحياته بيده؟ هل هو شعور اليأس وخيبات الأمل؟ هل هو الشعور بالوحدة والضياع والانهيار النفسى؟، البعض يشعر بالخجل والرعب وهو لا يستطيع أن يرى انتحار زميله سوى انعكاس صورته فى مرآته هو، وصوت أنينه يدك القلب. إنها حكاية نعجز عن فك طلاسمها بيسر.
الصحافة مهنة تتقصى الحقائق والأحداث والأخبار وتقديمها للقرّاء، هل ستقوم الصحافة بمهمتها هذه المرة لتكشف لنا حقيقة هذا الانتحار البشع ودوافعه؟، أم ستتخلى عن هويتها؟، نحن ننتظر الإجابات حتى نخرج من هذا الكابوس، الذى سيظل وحشا مخيفا يؤرق كل أصحاب المهنة، علينا أن نفتح نقاشا جديا ومسؤولا حول هذا الأمر.
منظمة الصحة العالمية أعلنت منذ سنوات اليوم العالمى لمنع الانتحار (10 سبتمبر) للوقاية من الانتحار نتيجة تزايد نسبته على مستوى العالم، وقد جاء على لسان رئيس الرابطة الدولية لمنع الانتحار: «كثيرون من الناس يقتلون أنفسهم، أكثر من الموت فى الحروب والأعمال الإرهابية والعنف بين الأشخاص مجتمعين»، كيف نستعيد كيمياء الروح ونمحى الذهول والرعب والضرر النفسى، مئات من الصحفيين والصحفيات يشبهون «عماد».
فهل يوقظ هذا الانتحار المؤسسات الصحفية من سباتها، حتى تستعيد رسالتها وعراقتها ودورها وكرامتها، ونوقف ضجيج الانتحار ونكتب سردية صحفية جيدة بلا شوائب ولا منغصات، بلا موت معلن، ونرمم ما أصابنا من خوف ودهشة وحيرة لفك طلاسم هذا الانتحار فى صورته الوحشية، ونوقف جمع الأشلاء، أشلاء الروح التى تعذبت ولم تحتمل الحياة.