بقلم - عزة كامل
مظاهرات الطلاب المستمرة في جامعات أمريكا وغيرها من البلدان الأوروبية، تؤكد أنه لم يعد بإمكان شعوب العالم المترامية في شتى أنحاء الكرة الأرضية، أن تبقى صامتة وهى تشاهد الإبادة الجماعية، والمؤامرات الإجرامية، والقصف الوحشى، وقتل الأطفال بقسوة غير آدمية، وتهجير الفلسطينيين، وسرقة بيوتهم وهدمها، بالإضافة لحجم التعذيب الذي يتعرض له المعتقلون من دهس وإهانات والنهش من الكلاب.
لقد كسر المتظاهرون حاجز الصمت والخوف بسبب الابتزاز المعادى للسامية، الذي كان بمثابة سلاح من أسلحة الدمار الشامل الذي يتعرض له الفلسطينيون بشكل يومى، لقد اكتشفوا أن الصهيونية ليست سوى آلية لتدمير المجتمعات البشرية، والقضاء على تاريخها وثقافتها، وأن وصم كل من يحاول رفض هذا الفكر الصهيونى بمعاداة السامية هو مجرد أكذوبة للردع والتخويف، وأنه لم يعد بالإمكان المشاركة في هذا الاحتفال الدموى الوحشى الذي هدفه الوحيد إزالة فلسطين من الوجود، وتحويلها إلى ذاكرة منسية، وهم يتساءلون: «أى نوع من البشر هؤلاء الصهاينة؟».
ولقد اكتشفوا الإجابة بما رأوه بالصوت والصورة، فهم العقول الصدئة، والنازيون الجدد، متسترون تحت معطف الخبث والدهاء والابتزاز، وأن حلفاءهم وداعميهم بشر متعطشون إلى السوء والانتقام، الداعمون بأموالهم وعتادهم وأسلحتهم وأفكارهم الشيطانية، المبتكرون والمبدعون في طرق الإبادة، يتسمون بأفكار متوحشة، خبيثة ومخادعة، سادية وأنانية، مساندون لمصاصى الدماء ببلاهة وعجرفة، حدقات عيونهم تتغذى من الظلمات، وتعيد كثافتها المرعبة.
أما الصامتون فصمتهم مخيف مثقل بكثير من الخزى، يتحركون كظلال تطوف في السماء عند الشفق، وتتلاشى بسرعة وتذوب في الهواء، ثم تهوى إلى الهوة التي لا قرار لها، تقفز من حلم إلى آخر جوعى ومرعوبة، وتنهض كجسد مهزوم على الصليب، جسد لتمثال أصم يغلفه الخرس والبلاهة، وتغدو خطواته مترنحة واهية، جسد عيونه معلقة بالدموع، أما الروح فحكمت عليها حيرتها بأن لا تهدأ وأن لا تنعم بالراحة، تنظر إلى العدالة من خلال حجب وتألق كاذب مخادع، فويل للسالك طريق الحق الذي لا أحد بمستطاعه سبر أغوار خفاياه السحيقة، فالإرادة سجينة والروح قلقة، الصامتون معظمهم ليسوا غير شدق كبير يطفح بالجبن والعار، يغرق في جدلية الخير والشر، تلقى الفوضى بظلالها المخاتلة، وتجعلهم أعضاء بشرية متناثرة، ومحطمة في وسط عالم مجنون متهافت يشع سخرية منهم، مكلل بكل أشكال العار الذي يثقل الحجر، لكنهم لا يرون أطفال فلسطين الذين يرفعون علم وطنهم مرفرفا على ركام بيوتهم، ففلسطين للفلسطينيين مهما طال الزمن