بقلم - عزة كامل
في منتصف الليل يطوقنى كابوس رهيب، لا أدرى أين أنا، ولا أدرك الزمن، هل الوقت كان ليلًا أم نهارًا؟، وهل أنا في بيتى، أم في مكان آخر؟. أدرك أننى بين الأنقاض والجثث، أتمهل وأتحسس جسدى بلهفة، هل صرت أنا أيضًا جثة تتحرك؟، أتخبط وأتقلب، وتختلط علىَّ الأشياء والأمور. هذه ليلة مكرورة لكابوس يطوق عنقى وروحى وقلبى، ويغوص بى في جوف الظلمة، أحاول أن أصحو من هذا الكابوس الفاجر، أضرب الهواء بيدى وقدمى، أحاول أن أنادى أحدًا، فلا يخرج صوتى، يتحشرج في حنجرتى، أتهاوى في قاع بئر مهجورة وعميقة.
تتراقص ظلال الأشباح والأجسام المبهمة حولى، أزحف نحو أي مساحة آمنة، ولا أدرى إذا كنت أزحف على الأرض أم على روحى؟، أسمع أنينى، الأنين العاجز عن الصحو، أحاول الخروج من نفسى المرعوبة إلى نفسى اليقظة، أتشرب أنفاسى، وأتجول في ذاكرتى، تستيقظ كل مشاهد الغدر والخيانة والهلع، أتمزق وأحاول أن أبحث عن طوق نجاتى، فلا أجد شيئًا، تنخلع ساقى وتهوى أشلاء.
منتصف الليل الموحش يتعالى فيه أنين النفس المكرور، ودقات القلب العاجز المعتل، ولا أرى إلا نظرة الوحوش المحملقة النهمة الكريهة، والجوع والعطش ونثار الدم وسط لجة الرعب والهلاك، أصبح ليلى موغلًا في وحشته، يلفظنى إلى فراغ العدم، عندما أستيقظ مبكرًا، يكون استيقاظى أشد سوادًا من الكابوس، الصباح يرشح دمًا، والشمس الباكية تغيب عن مفارق الطرق، والسماء تضن بمائها، وغزة تكون جائعة، وأهلها عطشى، وأبناؤها تفرقت خطاهم نحو الموت وهم مطعونون بالعذاب، لم ترفعهم قبة السماء، ولم تفتح لهم الأبواب، أو ستائرها المسدلة، ويرحلون بعد أن يدفنوا أسرارهم في باطن الأرض مع أجدادهم، ويكون الموت قد مد ظله البغيض على الأفق، وانسابت الصرخات الممرورة جداول وأنهارًا، حتى الشجر يموت بعد أن سقطت أوراقه القديمة وغادرته قلوب الأطفال المجنحة وهى تبحث عن الأمان تحت ظلاله، الأطفال الذين كبروا خارج الزمان، والذين حملتهم غيمة سوداء إلى المجهول، وهم يسكبون دموعهم على عالم يموج بالعار والخذلان والخيانة، وانكسرت قوادم أحلامهم وهم يبحثون في كل الحنايا عن أمهاتهم وبيوتهم.
أحاول أن أُلملم أشلائى، لا أدرى ماذا أفعل؟، هل أصرخ أم أبكى لعجزى شبه الكامل، وقلة حيلتى في نهاية عمرى؟، حين فقدنا جوهر العدل صار الشيطان ملاكًا، والجلاد ضحية، والظلم رضا، والكذب حقيقة مؤكدة، والجثث التي أَبْكَتْنا وعصرتنا آلامًا وأنينًا ووحشة وحزنًا.