بقلم - عزة كامل
أهكذا تمر بنا المآسى، وتُباد أمام أعيننا الأجساد والأرواح، ويكون مصير الإنسان مرهونًا بالمراوغين والمتوحشين؟. أين يأخذنا ذلك العالم الأصَمّ، أين هو من المجزرة التى استيقظ عليها صبيحة يوم الخميس الماضى، المجزرة الإسرائيلية البشعة، التى راح ضحيتها 150 شهيدًا ونحو ألف جريح من أهالى غزة، وهم فى انتظار الوجبات لإطعام وسد جوع أطفالهم، حيث هاجمتهم دبابات الاحتلال بقذائف المدفعية والرصاص الحى، حصدتهم بوحشية لتضيف مزيدًا من الإهانة والإذلال لهم، بعد أعمال التدمير والخراب والتهجير والتعذيب والتمثيل بالجثث، مع إصرار الاحتلال على مواصلة التجويع والإبادة عيانًا جهارًا أمام أنظار العالم، وإزاء الصمت العربى؟!.
هل نسلم بانتصار الوحش، وأن العدالة لن تحل على غزة أبدًا؟، لقد ضرب الاحتلال عرض الحائط بمحكمة العدل الدولية بعد مرور شهر على قراراتها، ومطالبتها بتقديم تقرير مكتوب عن التدابير اللازمة لمنع عمليات التطهير العرقى فى غزة، فجاء الرد بمزيد من المجازر والإبادة، ولم يفعل أحد شيئًا أمام ذلك الإجرام!. أما نحن فلا نملك إلا دموعًا تجف بسرعة، وأحزانًا مرسومة على الجبين، ومشاعر تشِفّ عن خفايا قلب مكلوم، ونسبح كطيور مذبوحة فى فضاء الغل الطافح، نُفرفر، ونحن ننظر إلى أرض تبتلع بقسوة، وتعلن الموت الغادر، الموت الذى يقبض على الأعناق، يسحقها بقوة، ويرقص فرحًا بإبادة مخيفة زلزلت الأرض والتهمت الأجساد، وحل على الأبدية ليل مخيف ظالم، بينما الكذب يسيل من أفواه السفاحين، الذين سلكوا سبل الجحود بنفوس سائرة نحو الظلمة، ينظمون عقودها ويُحكمون أوصالها للقضاء على أرواح تتصدى لمطامع غبية.
لكن مازالت قلوب تنبض فى تلك العتمة، ذلك الطيار الأمريكى «أرون بوشنيل»، الذى أقدم على حرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية فى بلاده للهروب من تنفيذ أمر واجب النفاذ مع عدد من زملائه فى سلاح الطيران الأمريكى بأن يكونوا على أهبة الاستعداد للسفر إلى غزة، لم يملك إلا جسده المحترق ليقدمه احتجاجًا على المجازر التى ترتكبها دولة الاحتلال فى قطاع غزة، ويبلغ العالم رسالة مغزاها أن هذا الكون غادر ويمزق ستار العادى والمألوف، فمشاهد الإبادة والتعذيب والقتل يجب ألا تكون عادية ومألوفة ومعتادة.
لا أملك إلا غمغمة متعبة، مثل الغيمة الشاحبة والمساء المتعب، وومضة خاطفة فى نهاية الغروب، وظلمة خالية من الدروب، وقلبًا لا يمكنه أن ينشد التراتيل، وصرخة يائسة وسط التوحش السادى، الذى يجرى بعنف وقسوة ليجرف كل شىء فى طريقه، وهزيم الرعد الذى يبدد سكون النفس، وحلمًا شريرًا يخنق صوت العدل.