بقلم - عزة كامل
طنين صارخ يخترق أذنى ويباغتنى وأنا أمشى وأكتب وأثناء نومى، وسط هواء يحتقن بدخان وسموم، يعقبه صمت رهيب، صمت أسود، وفجأة تتعالى أصوات حزينة منتحبة، تطلق أنينًا موحشًا، وتنزف دماء على الأرض قطرة قطرة، وتنهمر أشلاء جثث بطريقة عنيفة، ويتحول كل منهم إلى رقم.
تتدفق ألسنة لهب، وتطلق الريح أزيزها، ذابت كل الفواصل بين المرئى الملموس والعبثى والفنتازى، تساوى الإنسان بالجماد بالشيطان، نعم الشيطان الذى صب لعناته، وتمنى لنا أتعس مصير، أتخبط فيما حولى ولا أجد طريقًا للخلاص، يغمرنى شعور بالعجز والفقد.
فى حومة هذا الكابوس أحاول استعادة صوتى، أبحث عن مخبأ للحماية، أهرب فى رهبة وخجل أبحث عن الأفق البعيد واجتياز حدود المكان الضيق، تفشل محاولتى ويتعمق الإحساس بالمجهول والغرابة، ويطغى الوعى على اللاوعى، وأشعر أن كل شىء أصبح فراغًا، لا ضوء ولا ظل، ووشاح من الغيوم يغطى وجهى وجسدى، وأننى سجينة ممنوعة من الفرار، كل شىء كف عن التنفس، ثم تنتهى كل هذه الصور المخيفة، ويتسرب بعض النور من حولى.
أحاول أن أنعش عقلى الملىء بالوهن، والمزدحم بالأفكار، والمتخم بالحيرة والارتباك، أجمع أوصالى، وأبحر فى الصور المحتشدة، يطالعنى وجه عرافة الشؤم وهى تقذف بشفاه غليظة الكلمات: «إنها سنوات الفناء والدمار»، صوتها يقرع أذنى على نحو وحشى، أدير القناة، يأتى صوت حزين يجعلنى أحلق معه فى الأعالى، تتحرك شفتاى خفيفًا خفيفًا، يقطع تحليقى صوت غليظ خشن مثل باب عتيق يصدر صريرًا حادًّا قادمًا من الشارع.
وعلى نحو حذر كانت قطتى تقفز لتستقر على كتفى، بينما يستمر الصوت الشجى فى الغناء، وتُربكنى استباحة الذات هكذا، وهتك عوالمها الخاصة، ما هذا السؤال السخيف؟، لقد تمت استباحة الذوات وهتك العوالم الخاصة، وتم تكفينها وإرسالها إلى العدم بعد مواجهة مع الرعب الفاضح، وأصبحت مثل القطط الصغيرة العمياء المذعورة والمذهولة، التى تبحث عن ضرع أمها التى تم ذبحها، وأنا أيضًا أشعر أننى قطة صغيرة تزحف مذعورة، وكل ما حولى يتبدد ويتبعثر، قذرًا وخانقًا، يصيبنى الضيق كلما رأيت مكانًا ممتلئًا بالناس، أتخبط فى أحاسيس مضطربة، تعلو وتهبط دون أدنى تفسير، تبدو كل الأشياء من حولى سخيفة خرقاء، وكل الوجوه خالية من أى تعبير، والحركات مفتعلة ومزيفة، والأفعال غادرة والتوقعات مشؤومة، ولا أسمع إلا هذه العبارة: «هنا أيها الأطفال الفلسطينيون يتقاطر دمكم مثل بحيرة من الأخضر والأحمر والأبيض والأسود كمثل لون عَلَمكم»، طوبى لكم.