بقلم - عزة كامل
سألتنى ابنتى ما هى أمنياتك ونحن على أبواب عيد الفطر؟، أغمضت عينى، وتنهدت، وقلت لها: أتمنى أن أغدو غيمة تظلل على قلوب الناس المحترقة، أتمنى أن أصير أغنية تصدح شجية وتثير الفرح، أريد أن أطلق صرخة وأحطم مرايا آلامنا وقهرنا، أحطم الطبول المنفوخة التى تصدح بأنغام كاذبة، أريد أن يبحر قلبى خلف جدار السنين، ويصغى للأصوات الخافتة، ويخفق للوهج المنبعث من العيون المفتوحة والرؤوس المرفوعة والقامات الشامخة رغم ضعفها، أريد انزلاق قمر فوق زجاج الشرفات، ولكن كيف يمكن ذلك؟، وأمامى أشباح تحمل حقائب ملأى بالمرارة، وأخبار الناس والشجر والحجر، والمدن والشوارع والحوارى تشيع جنازة الحرية فى فلسطين، وأبناؤها يحملون على أكتافهم كفن الوطن، يشيعونه بحزن وغضب، يسيرون عبر طرق مفخخة وخرائب، وسماء تنزف دما، ويلقون به فى سفينة ذات شراع أسود، وتطوف بها أرواح الموتى.
النهار يا ابنتى يتجلى فى داخلى عاريا، يهطل عليه الظلام كثيفا، وأنا أنظر فى مرآة الماء الغائمة المعوجة، أسمع الأصداء المترددة من الأصوات المتوحشة، وتأتى رياح سوداء تقتلع قلب الأشياء، وتقتلنى مثل قارب يصارع الأمواج وسط الظلمة، بينما جسدى مثقوب كالغربال، وصدرى يعلو ويهبط كمريض بالسّل.
نحن يا ابنتى حيوانات جريحة تنزف دماؤها للداخل بعد أن عاشت أعوما سوداء مصبوغة بالدم والهلع، ومازالت تبحث عن إجابة السؤال: كيف يمكننا أن نغلق الباب الذى دخل منه الوباء؟.
فى منامى أرى امرأة فلسطينية تمشى خطوات وئيدة كعجوزعرجاء تخوض فى بحر من الدم، وتقف أمام ستة أطفال يحدقون فيها، على يمين الأول يلتف شريط دم حول وجهه، وعلى ذراع الثانى شق لجرح غائر، وعلى صدر الثالث حفر مملوءة بالرصاص، وعلى ساق الرابع غرزت نصل سكين، وعلى قدم الخامس أكداس من الحجارة والمسامير ينز منها الدم بغزارة، وعلى كتف السادس يتدلى رأس رفيقه الدامى، وتراب الأرض يخفق بقوة عبر نبضاتهم، والمرأة العجوز تبكى بمرارة لأنها لم تستطع أن توقف موت طفل واحد مثلنا جميعا.
لا أملك يا ابنتى الآن، إلا أن أقول: سلام للوطن الذى حفرناه بأرواحنا فوق جباهنا وشما، ووضعناه فى مقلة عيوننا وأرخينا عليه أهدابنا وصلينا على أعتابه، آه أيها الوطن المحاصر، وطن الحمامات المذبوحة، أيها الجرح المفتوح، كثيرون مروا ببابك ومازلت الوطن المقاوم، النهايات مفتوحة دائما يا ابنتى الصغيرة، لن نفقد الأمل قط بأن المستقبل سيكون لنا، لفلسطين والفلسطينيين.. عيد فطر مبارك.