توقيت القاهرة المحلي 19:28:12 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ويصبح الخيال سجينًا

  مصر اليوم -

ويصبح الخيال سجينًا

بقلم - عزة كامل

فى غبش الفجر يأخذنى حنين خفى إلى هناك، أتذكر الأماكن والبيوت والمقاهى والحدائق، أشم رائحة قهوة جدتى وخبزها الطازج، وطعام أمى وعطر أبى، تمر أطيافهم كخاطرة فى الليل، وأسمع كلماتهم العامرة بالشجن والانفعال، أقلب أحوال قلبى على ضفتى النهر، أسير ثقيلة كأننى حجر يأبى التحرك من مكانه، ماذا أفعل فى هذا الفضاء المبلل بالدموع؟.

كل ذكرى أحِنّ إليها هى معركة للنجاة، شرفة الذاكرة مشرعة فى هذا الضباب الكثيف، وأنا أتجول فى المكان، جلست على مقعد شاغر فى الحديقة، وهناك على المقعد الخشبى المقابل كانت تجلس وحدها كأنها على موعد، أحييها، فلا تلتفت إلىَّ، ولا ترد التحية، حدقت مباشرة فى عينيها، تململت فى مقعدها قليلًا، ثم أخذت تختلس النظر إلىَّ، ثم أدارت وجهها، ترى فيمَ تفكر هى الآن؟، فجأة اختفت، كأن الأرض انشقت وبلعتها، صرخت لأوقظ نفسى من الوهم، لقد كنت وحيدة على مقعدى، ولم تكن هناك أخرى تجلس أمامى.

لم يكن هناك إلا ظلى، تيقنت أن هذه الأخرى ما هى إلا أنا، ظل يصارع ظلًّا، نهضت ومشيت أطوى ظلى، وأتحسس جسدى الذى أصبح طيفًا هامسًا، يزغلل عينى وهج ضوء النهار الذى يتلكأ، أدركنى التعب، أوراق الأشجار ترتعش كأنها تسخر من شرفة الذاكرة، التى لم تعد تؤنس وحدتى، أسمع همسًا: «كم أنتِ أسيرة الذكريات»، ما أقسى الانتظار واللاانتظار.

فى هذه اللحظة مزقنى الحنين الذى يوخز القلب، عيناى محدقتان، بينما أحاول أن أتنفس فى ذلك الحر المشرب بالرطوبة، تبدو الأشياء أمامى كلوحة غير مكتملة لرسام يعانى الوحدة، حين يخبو العمر تصبح الوحدة أكثر قسوة من الموت، أصرخ فى هذا الفضاء القاسى: «إننا بشر، ولسنا حجرًا، نثرثر حين يجف الكلام، نحب ونحزن ونفرح ونحتاج إلى خيال يحفزنا، وأمل يؤنسنا، شهوتنا للحياة أقوى من الموت، يوجعنا شوك الورد حين يجرح جدار القلب، وحين نفيق ولا نجد الحلم، تتسرب الحياة بكامل نقصانها أمامنا، ويصبح الخيال سجينًا لماضٍ لم نُشْفَ منه».

لقد كانت أمنيتى فى صباى أن أكون بحّارة، أجوب البلاد والبحار وأصادق الطيور والأسماك، وأستمع للحكايات والأغنيات، وأمنح حبى للأشياء دون مقابل، ولا أخشى ظلمة ولا إعصارًا، ويخفق قلبى مع أبعد نجم، بحّارة تستبعد الموت، وتؤمن بالحياة، تحمل الحب والود والألفة بين ضلوعها، وتملك فضاء اليابس والماء، لكن ما أصعب الأمنيات، فهى بعيدة المنال، وبالرغم من لجّة الوحدة العميقة، مازالت الحياة ترفرف بين طيّات روحى مجددًا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ويصبح الخيال سجينًا ويصبح الخيال سجينًا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 10:53 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مدبولي يترأس اجتماع المجموعة الوزارية الاقتصادية

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 01:05 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النيابة العامة تُغلق ملف وفاة أحمد رفعت وتوضح أسباب الحادث

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الزمالك يتأهل لربع نهائي دوري مرتبط السلة علي حساب الزهور

GMT 10:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز اتجاهات الديكور التي ستكون رائجة في عام 2025

GMT 22:30 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

5 قواعد لإتيكيت الخطوبة

GMT 14:43 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

أحمد مالك وطه دسوقي يجتمعان في "ولاد الشمس" رمضان 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon