توقيت القاهرة المحلي 20:18:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ويصبح الخيال سجينًا

  مصر اليوم -

ويصبح الخيال سجينًا

بقلم - عزة كامل

فى غبش الفجر يأخذنى حنين خفى إلى هناك، أتذكر الأماكن والبيوت والمقاهى والحدائق، أشم رائحة قهوة جدتى وخبزها الطازج، وطعام أمى وعطر أبى، تمر أطيافهم كخاطرة فى الليل، وأسمع كلماتهم العامرة بالشجن والانفعال، أقلب أحوال قلبى على ضفتى النهر، أسير ثقيلة كأننى حجر يأبى التحرك من مكانه، ماذا أفعل فى هذا الفضاء المبلل بالدموع؟.

كل ذكرى أحِنّ إليها هى معركة للنجاة، شرفة الذاكرة مشرعة فى هذا الضباب الكثيف، وأنا أتجول فى المكان، جلست على مقعد شاغر فى الحديقة، وهناك على المقعد الخشبى المقابل كانت تجلس وحدها كأنها على موعد، أحييها، فلا تلتفت إلىَّ، ولا ترد التحية، حدقت مباشرة فى عينيها، تململت فى مقعدها قليلًا، ثم أخذت تختلس النظر إلىَّ، ثم أدارت وجهها، ترى فيمَ تفكر هى الآن؟، فجأة اختفت، كأن الأرض انشقت وبلعتها، صرخت لأوقظ نفسى من الوهم، لقد كنت وحيدة على مقعدى، ولم تكن هناك أخرى تجلس أمامى.

لم يكن هناك إلا ظلى، تيقنت أن هذه الأخرى ما هى إلا أنا، ظل يصارع ظلًّا، نهضت ومشيت أطوى ظلى، وأتحسس جسدى الذى أصبح طيفًا هامسًا، يزغلل عينى وهج ضوء النهار الذى يتلكأ، أدركنى التعب، أوراق الأشجار ترتعش كأنها تسخر من شرفة الذاكرة، التى لم تعد تؤنس وحدتى، أسمع همسًا: «كم أنتِ أسيرة الذكريات»، ما أقسى الانتظار واللاانتظار.

فى هذه اللحظة مزقنى الحنين الذى يوخز القلب، عيناى محدقتان، بينما أحاول أن أتنفس فى ذلك الحر المشرب بالرطوبة، تبدو الأشياء أمامى كلوحة غير مكتملة لرسام يعانى الوحدة، حين يخبو العمر تصبح الوحدة أكثر قسوة من الموت، أصرخ فى هذا الفضاء القاسى: «إننا بشر، ولسنا حجرًا، نثرثر حين يجف الكلام، نحب ونحزن ونفرح ونحتاج إلى خيال يحفزنا، وأمل يؤنسنا، شهوتنا للحياة أقوى من الموت، يوجعنا شوك الورد حين يجرح جدار القلب، وحين نفيق ولا نجد الحلم، تتسرب الحياة بكامل نقصانها أمامنا، ويصبح الخيال سجينًا لماضٍ لم نُشْفَ منه».

لقد كانت أمنيتى فى صباى أن أكون بحّارة، أجوب البلاد والبحار وأصادق الطيور والأسماك، وأستمع للحكايات والأغنيات، وأمنح حبى للأشياء دون مقابل، ولا أخشى ظلمة ولا إعصارًا، ويخفق قلبى مع أبعد نجم، بحّارة تستبعد الموت، وتؤمن بالحياة، تحمل الحب والود والألفة بين ضلوعها، وتملك فضاء اليابس والماء، لكن ما أصعب الأمنيات، فهى بعيدة المنال، وبالرغم من لجّة الوحدة العميقة، مازالت الحياة ترفرف بين طيّات روحى مجددًا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ويصبح الخيال سجينًا ويصبح الخيال سجينًا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 18:02 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
  مصر اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم الدشاش

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 06:04 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 14:18 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!

GMT 21:19 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تربح 7.4 مليارات جنيه ومؤشرها الرئيس يقفز 1.26%

GMT 21:48 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon