بقلم - عزة كامل
عام مض، ضاعت فيه الأسماء، واختلطت فيه أشلاء الأجساد، وحَطَّ الظلام على أشياء انكسر ضياؤها، ومد رعبه فى عيون الأطفال الذين ذُبحوا والذين نجوا، وغلفنا بوجع حزين، وترك لنا جرحًا مفتوحًا على تضاريس وطن سليب، وحكّامًا يراقبون عن بُعد الجراح النازفة، وآخرين دعموا القاتل بالقنابل والأسلحة وبالفيتو ليكمل الإبادة، وينشر رعبه الممزوج بالدم. عام ترك لنا حزنًا يشع فى أعماق حياتنا، ترك لنا ورودًا دامية وأفواهًا ظامئة، ودوامات يحمل الموت فوقها أشلاء الضحايا، وتكسرت مرايا الروح، وارتجفت القلوب، وبكت الأشجار، وتصدعت الجبال من هذا الرعب البغيض، وامتلأت الأحشاء بالوجع، وخفقت الصدور من العذاب الخانق، وتبعثرت فى الأفق الأخرس النيران، وشاخت العصافير على أغصانها، وتاهت الأغنيات، ورغم كل هذا الجحيم، نسجت شباكًا من خيوط الأمل، الذى رأيناه يمر فوق غيوم الإبادة والليل الأسود، فها هى القلوب الملتهبة تنتفض وتحتج على لوحات الموت الحية، انفجرت العاصفة، وتدفقت شلالات الدموع المالحة، وصدحت الأغانى القادمة من الأقاصى البعيدة، وتحولت لإعصار هتاف لملايين الشفاه من المشرق إلى المغرب، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، فها هى ريح المقاومة الفلسطينية تلفح وجه العالم، وتجرح الأفق، وتمحو الأكاذيب، وحولت المقاومة الخسارات والسلب إلى ملحمة، وحولت الأصوات المكتومة إلى ضجيج يصم الآذان: (عاشت فلسطين حرة)، وتشامخ رنين الأجراس، وصدحت الأفواه بأناشيد وأغنيات الثورة دافئة مثل مياه الينابيع، تفيض بالحنان والأحلام الدافئة، وأصبح العالم كله فلسطين رغم الإبادة الجماعية، وفضح المرتزقة الذين جاءوا من بلدان وجنسيات مختلفة ليحاربوا فى غزة العزة، ولأول مرة، يتم تعريف آخر للإرهاب، ومَن الإرهابيون.
كشفت وفضحت المقاومة والحرب على غزة المعايير المزدوجة فى تعامل العالم الأول مع قضايا حقوق الإنسان، وكشفت عن دعمه الكامل للكيان الصهيونى بالعتاد والأسلحة والطائرات، كشفت عن قمة الانحدار الأخلاقى لدول تتشدق كل ثانية بحقوق الإنسان.
زعزعت المقاومة الثوابت الأخلاقية، وزرعت الخلافات بين النظم العالمية الكبرى، وداخل كل نظام، وسوف تُعيد الحرب على غزة تشكيل خريطة العالم وتوازناته العادلة، وكلنا أمل أن يكون العام الجديد ميلادًا جديدًا يكسر سواد الليل، وسواد القلوب، والنحيب الصامت، وينشر ضوء الفجر وبشائره محملًا بأمواج الأمل الخفاقة، ويعزف لنا موسيقى خافتة تنعش القلوب المكلومة، ويولد قمر جديد يضىء لنا طريق الحقيقة، والنضال، ويشق نبعًا رقراقًا يتلو ترانيم الحياة الحقيقية بين الأشجار العتيقة، فلنتسلح بالأمل، وكل عام وكل الطيبين بخير