بقلم:عزة كامل
ذات يوم عند شفق الغروب وقفت «رحيل» أمام البيت الكبير والمهجور، وقد تساقط طلاؤه، وانتشرت الحشرات الميتة حول نوافذه، غامت عيناها من فرط الحزن، وشعرت بجفاف فى حلقها، ورطوبة تسرى فى كفى يديها، راحت تنادى على من كانوا يسكنون هذا البيت، جيلًا بعد جيل، ولم تسمع مجيبًا، فقط أزعجتها أصوات حيوانات، غمرها شعور بالخوف، أغمضت عينيها، حاولت استرجاع ذكرياتها مع هذا البيت عندما كان مزدحمًا بأصحابه من الكبار والصغار، سرعان ما عادت إلى الواقع، ونظرت للبيت مرة أخرى، فصدمتها وحشته وعزلته، وظل الصراع محتدمًا داخلها بين الماضى والحاضر، الأشجار من حولها قاتمة، وترسل تحتها ظلالًا، والسجاد أشد قتامة، شعرت بقوى خفية شريرة تسكن البيت، وتجعله بؤرة للشر، وسوء الطالع، لقد عاش هذا البيت أكثر من مائة عام، مائة منهم غمر البيت كل من فيه بالحب والسعادة، وخمسة كانت جحيمًا بعد الأحداث المرعبة التى وقعت فى البيت.
كان البيت مكونًا من ثلاثة طوابق، بنيت على الطراز الفيكتورى المميز بهندسته المعمارية الأنيقة، وألوانه الغنية، وزخارفه الفاخرة، وزجاجه الملون، وأسقفه العالية، وألوانه الداكنة ما بين البنى والأحمر والأخضر الفخم، غرفه واسعة، وأرضيته خشبية مزخرفة، وذات سقف مرتفع، كانت جدتها تشغل الطابق الأول بغرفه الواسعة والمريحة، ويشغل أبوها وعمها الطابق الثانى، أما الطابق الأخير فتشغله عمتها فائقة الجمال، والتى حرمت من الزواج بعد قصة حب عنيفة مع ابن البستانى الفقير، الذى كان مسؤولًا عن حديقة البيت، وعندما علم الجد بذلك حبسها فى هذا الطابق الأخير من البيت، فهاجمتها نوبات عصبية، وكادت تحرق البيت فى إحدى هذه النوبات، فاضطروا لحبسها فى إحدى الغرف.
فى اليوم التالى وجدوها ملقاة على الأرض جثة مهشمة ملطخة بالدماء، فقد ألقت نفسها من نافذة الغرفة، ولم تصمد جدتها طويلًا بعد انتحارالعمة، فقد وجدوها غارقة فى البانيو، وبعد عام من رحيل الجدة وجدوا ابن عمها الكبير البالغ من العمر ستة عشرة عاما مشنوقًا فى غرفة نومه، وبعدها هاجر العم مع بقية أطفاله إلى أستراليا، أما أبوها فقد قرر أن يترك ذلك البيت الملعون، الباعث على الشؤم، وذهب إلى مدينة أخرى.
منذ ذلك الوقت غطت النباتات المتسلقة الطوابق كلها، واخترقت النوافذ، واستولى الجيران على الأثاث واللوحات والستائر، باعتباره البيت المهجور، وأطلقوا عليه «بيت الأشباح»، وأقسموا أنهم يرون شبح العمة المنتحرة، والجدة، وابن العم يحومون حول البيت ليلًا، ويسمعون صراخهم طوال الليل.