توقيت القاهرة المحلي 05:59:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جرحنا القديم مازال ينزف

  مصر اليوم -

جرحنا القديم مازال ينزف

بقلم - عزة كامل

رأيت الموت وجهًا لوجه، شاهرًا وجهه القبيح على شاشة التليفزيون وصفحات فيس بوك وعلى وجوه الناس وفى الشوارع والمقاهى، رأيت أطفالًا مذعورين يهرولون هربًا من ساحة الحرب، تاركين إخوتهم الرضع وأمهاتهم وآباءهم وآخرين ضاعت صرخاتهم تحت الركام.

رأيت براميل متفجرة تدمر الأخضر واليابس شوارع وبيوتًا ومدارس ومستشفيات، أحدق إلى الشاشة، فتتناثر أمامى حياة الشهداء، وأشياؤهم الصغيرة، دفاترهم وكتبهم وبطاقات هوياتهم، والطائرات الملونة ودمى القماش، وأصص الزرع الملونة، جدائل البصل والثوم والفلفل المعلقة على جدران الشرفات، حقائب المدارس، الثياب، مفاتيح بيوتهم العتيقة التي تنتظر العودة، علب المساحيق والثوب القديم المطرز، الكوفية والشال الحريرى، الصفصافة العالية وشجرة الزيتون.

حياة كاملة دُمرت، والريح تحمل أشلاء الموتى، حصار من البر والبحر والجو، وغارات متواصلة، جثامين مسجاة، بل أكوام دُفنت بلا أكفان وبدون جنازات، والقتلة يضحكون في المؤتمرات الصحفية، واجتماعات مجالس الحرب، وهم يتفرجون على المذابح، يبتهجون ويفقدون وعيهم من النشوة، نشوة جنون القتل، كل القتلة متشابهون، كل القتلة وحوش، لا قلب لهم ولا ضمير، كاذبون وجبناء.

لا أعرف ما إذا كنت في غفوة أم في صحوة، في هذا الليل الأسود الدامس الذي نأت وابتعدت وغابت عنه النجوم، في هذا الليل الدامى الذي لا يترك لنا أي مجال للتأمل في جدوى هذه الحياة، لكن الشىء المؤكد أننا لا شىء أمام كل هذا الخذلان والصمت المتآمر، والغطرسة والدونية من المتحالفين مع العدو، والغياب التام أمام حضور كل هذه الأشلاء والقبور الجماعية والغيوم السوداء والأطلال، وأخشى أن نكون قد اعتدنا مناظر ومشاهد ذلك القتل والإبادة الوحشية والأشلاء المتناثرة وسحب الدخان الأسود والنيران المستعرة من فرط ما تكررت وأصبحت مُمِلّة، فلا نكترث، ونفضل ألا نتابع ما يحدث وكأننا نتفرج على فيلم كئيب ومحبط، غير مبالين بأن هناك بشرًا في «غزة» المعزولة، المُحاصَرة، المسجونة، المُتآمَر عليها حتى تموت من العطش والجوع، فلا ماء ولا وقود ولا خبز ولا دواء.. غزة المعزولة قيد الهوية وقيد التهجير وقيد الإبادة الجماعية، غزة التي جرَت دماؤها شلالات هادرة في البحار والأنهار وعلى ضمائرنا، وأن أهالى غزة يحتاجون إلينا، وأن قضيتهم هي قضيتنا، وأن عدونا واحد، مهما اختلفنا، وإذا انكسرت غزة فسننكسر جميعًا، وسيفترسنا الذئب، وتذكروا أن المقاومة تولد من رحم الموت والإبادة، تذكروا أننا نحن الشىء الناقص في المشهد، وأن جرحنا القديم مازال ينزف حيًّا، وعلينا أن نستعجل الليل أن يفتح أبواب الفجر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جرحنا القديم مازال ينزف جرحنا القديم مازال ينزف



GMT 03:46 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

شعب مالوش كتالوج!!

GMT 03:18 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الغباء المدمر

GMT 03:13 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عندما قال كيسنجر: «أي شىء يتحرك»!

GMT 04:58 2023 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

أيها العالم.. استيقظ

GMT 04:53 2023 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

لماذا السيسي؟!

الملكة رانيا بعباءة بستايل شرقي تراثي تناسب أجواء رمضان

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:53 2019 الجمعة ,01 آذار/ مارس

خبير مفرقعات يفجر مفاجأة حول حادث محطة مصر

GMT 19:41 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

كواليس الليلة الأخيرة لـ"عروس العياط" ضحيّة برودة الطقس

GMT 10:23 2018 السبت ,29 أيلول / سبتمبر

"THAT House" بيت زجاجي معاصر بديكور داخلي مذهل

GMT 02:28 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

نشوى مصطفى تؤكّد أنها تعشق التسوق في المولات

GMT 19:53 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

تحذيرات من ثوران بركان"فوجي" في طوكيو

GMT 22:40 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

شركة " PayPal" تفعّل الدفع الإلكتروني لأجهزة سامسونج

GMT 14:22 2018 الخميس ,05 إبريل / نيسان

سموحة مهتم بالتعاقد مع بانسيه لاعب المصري

GMT 22:39 2018 الأحد ,11 شباط / فبراير

الكشف عن صورة صادمة للراقصة الروسية جوهرة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon