توقيت القاهرة المحلي 13:51:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جرحنا القديم مازال ينزف

  مصر اليوم -

جرحنا القديم مازال ينزف

بقلم - عزة كامل

رأيت الموت وجهًا لوجه، شاهرًا وجهه القبيح على شاشة التليفزيون وصفحات فيس بوك وعلى وجوه الناس وفى الشوارع والمقاهى، رأيت أطفالًا مذعورين يهرولون هربًا من ساحة الحرب، تاركين إخوتهم الرضع وأمهاتهم وآباءهم وآخرين ضاعت صرخاتهم تحت الركام.

رأيت براميل متفجرة تدمر الأخضر واليابس شوارع وبيوتًا ومدارس ومستشفيات، أحدق إلى الشاشة، فتتناثر أمامى حياة الشهداء، وأشياؤهم الصغيرة، دفاترهم وكتبهم وبطاقات هوياتهم، والطائرات الملونة ودمى القماش، وأصص الزرع الملونة، جدائل البصل والثوم والفلفل المعلقة على جدران الشرفات، حقائب المدارس، الثياب، مفاتيح بيوتهم العتيقة التي تنتظر العودة، علب المساحيق والثوب القديم المطرز، الكوفية والشال الحريرى، الصفصافة العالية وشجرة الزيتون.

حياة كاملة دُمرت، والريح تحمل أشلاء الموتى، حصار من البر والبحر والجو، وغارات متواصلة، جثامين مسجاة، بل أكوام دُفنت بلا أكفان وبدون جنازات، والقتلة يضحكون في المؤتمرات الصحفية، واجتماعات مجالس الحرب، وهم يتفرجون على المذابح، يبتهجون ويفقدون وعيهم من النشوة، نشوة جنون القتل، كل القتلة متشابهون، كل القتلة وحوش، لا قلب لهم ولا ضمير، كاذبون وجبناء.

لا أعرف ما إذا كنت في غفوة أم في صحوة، في هذا الليل الأسود الدامس الذي نأت وابتعدت وغابت عنه النجوم، في هذا الليل الدامى الذي لا يترك لنا أي مجال للتأمل في جدوى هذه الحياة، لكن الشىء المؤكد أننا لا شىء أمام كل هذا الخذلان والصمت المتآمر، والغطرسة والدونية من المتحالفين مع العدو، والغياب التام أمام حضور كل هذه الأشلاء والقبور الجماعية والغيوم السوداء والأطلال، وأخشى أن نكون قد اعتدنا مناظر ومشاهد ذلك القتل والإبادة الوحشية والأشلاء المتناثرة وسحب الدخان الأسود والنيران المستعرة من فرط ما تكررت وأصبحت مُمِلّة، فلا نكترث، ونفضل ألا نتابع ما يحدث وكأننا نتفرج على فيلم كئيب ومحبط، غير مبالين بأن هناك بشرًا في «غزة» المعزولة، المُحاصَرة، المسجونة، المُتآمَر عليها حتى تموت من العطش والجوع، فلا ماء ولا وقود ولا خبز ولا دواء.. غزة المعزولة قيد الهوية وقيد التهجير وقيد الإبادة الجماعية، غزة التي جرَت دماؤها شلالات هادرة في البحار والأنهار وعلى ضمائرنا، وأن أهالى غزة يحتاجون إلينا، وأن قضيتهم هي قضيتنا، وأن عدونا واحد، مهما اختلفنا، وإذا انكسرت غزة فسننكسر جميعًا، وسيفترسنا الذئب، وتذكروا أن المقاومة تولد من رحم الموت والإبادة، تذكروا أننا نحن الشىء الناقص في المشهد، وأن جرحنا القديم مازال ينزف حيًّا، وعلينا أن نستعجل الليل أن يفتح أبواب الفجر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جرحنا القديم مازال ينزف جرحنا القديم مازال ينزف



GMT 03:46 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

شعب مالوش كتالوج!!

GMT 03:18 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الغباء المدمر

GMT 03:13 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عندما قال كيسنجر: «أي شىء يتحرك»!

GMT 04:58 2023 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

أيها العالم.. استيقظ

GMT 04:53 2023 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

لماذا السيسي؟!

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:43 2022 الثلاثاء ,14 حزيران / يونيو

ياسمين صبري تزداد أناقة بإطلالات فخمة وراقية

GMT 21:09 2021 الجمعة ,23 إبريل / نيسان

"وحيد القرن" أصغر ثقب أسود قريب من الأرض

GMT 19:35 2021 الثلاثاء ,23 آذار/ مارس

بورصة بيروت تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 05:47 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

تعرف على رسالة ياسر فرج الأخيرة لزوجته قبل وفاتها

GMT 15:13 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أتلتيكو مدريد يصنع التاريخ بالأرقام في الدوري الإسباني

GMT 21:10 2020 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونخ أفضل فريق في 2020 ضمن جوائز "غلوب سوكر"

GMT 13:03 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

طبيب يكشف عن والد طفل عروس بنها في حال حملها

GMT 03:22 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ريم سامي تتألق في مهرجان الجونة السينمائي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon