توقيت القاهرة المحلي 06:41:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جرحنا القديم مازال ينزف

  مصر اليوم -

جرحنا القديم مازال ينزف

بقلم - عزة كامل

رأيت الموت وجهًا لوجه، شاهرًا وجهه القبيح على شاشة التليفزيون وصفحات فيس بوك وعلى وجوه الناس وفى الشوارع والمقاهى، رأيت أطفالًا مذعورين يهرولون هربًا من ساحة الحرب، تاركين إخوتهم الرضع وأمهاتهم وآباءهم وآخرين ضاعت صرخاتهم تحت الركام.

رأيت براميل متفجرة تدمر الأخضر واليابس شوارع وبيوتًا ومدارس ومستشفيات، أحدق إلى الشاشة، فتتناثر أمامى حياة الشهداء، وأشياؤهم الصغيرة، دفاترهم وكتبهم وبطاقات هوياتهم، والطائرات الملونة ودمى القماش، وأصص الزرع الملونة، جدائل البصل والثوم والفلفل المعلقة على جدران الشرفات، حقائب المدارس، الثياب، مفاتيح بيوتهم العتيقة التي تنتظر العودة، علب المساحيق والثوب القديم المطرز، الكوفية والشال الحريرى، الصفصافة العالية وشجرة الزيتون.

حياة كاملة دُمرت، والريح تحمل أشلاء الموتى، حصار من البر والبحر والجو، وغارات متواصلة، جثامين مسجاة، بل أكوام دُفنت بلا أكفان وبدون جنازات، والقتلة يضحكون في المؤتمرات الصحفية، واجتماعات مجالس الحرب، وهم يتفرجون على المذابح، يبتهجون ويفقدون وعيهم من النشوة، نشوة جنون القتل، كل القتلة متشابهون، كل القتلة وحوش، لا قلب لهم ولا ضمير، كاذبون وجبناء.

لا أعرف ما إذا كنت في غفوة أم في صحوة، في هذا الليل الأسود الدامس الذي نأت وابتعدت وغابت عنه النجوم، في هذا الليل الدامى الذي لا يترك لنا أي مجال للتأمل في جدوى هذه الحياة، لكن الشىء المؤكد أننا لا شىء أمام كل هذا الخذلان والصمت المتآمر، والغطرسة والدونية من المتحالفين مع العدو، والغياب التام أمام حضور كل هذه الأشلاء والقبور الجماعية والغيوم السوداء والأطلال، وأخشى أن نكون قد اعتدنا مناظر ومشاهد ذلك القتل والإبادة الوحشية والأشلاء المتناثرة وسحب الدخان الأسود والنيران المستعرة من فرط ما تكررت وأصبحت مُمِلّة، فلا نكترث، ونفضل ألا نتابع ما يحدث وكأننا نتفرج على فيلم كئيب ومحبط، غير مبالين بأن هناك بشرًا في «غزة» المعزولة، المُحاصَرة، المسجونة، المُتآمَر عليها حتى تموت من العطش والجوع، فلا ماء ولا وقود ولا خبز ولا دواء.. غزة المعزولة قيد الهوية وقيد التهجير وقيد الإبادة الجماعية، غزة التي جرَت دماؤها شلالات هادرة في البحار والأنهار وعلى ضمائرنا، وأن أهالى غزة يحتاجون إلينا، وأن قضيتهم هي قضيتنا، وأن عدونا واحد، مهما اختلفنا، وإذا انكسرت غزة فسننكسر جميعًا، وسيفترسنا الذئب، وتذكروا أن المقاومة تولد من رحم الموت والإبادة، تذكروا أننا نحن الشىء الناقص في المشهد، وأن جرحنا القديم مازال ينزف حيًّا، وعلينا أن نستعجل الليل أن يفتح أبواب الفجر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جرحنا القديم مازال ينزف جرحنا القديم مازال ينزف



GMT 03:46 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

شعب مالوش كتالوج!!

GMT 03:18 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الغباء المدمر

GMT 03:13 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عندما قال كيسنجر: «أي شىء يتحرك»!

GMT 04:58 2023 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

أيها العالم.. استيقظ

GMT 04:53 2023 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

لماذا السيسي؟!

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon