بقلم - عزة كامل
في غزة عيون الشهداء المفتوحة تحاصرنا، جثث الأطفال الملطخة بالدماء في الأكفان البيضاء تطاردنا، وتسألنا: أين ضميركم، ماذا تفعلون؟، وكلمات الصغار هل هي حلم أم كابوس؟. شظايا اللحم المنثور وروائح الجوع وخرائط الشتات، كل شىء ينزف، البيوت والحجارة والشرفات والسماء والأرض، تسأل: أين العالم المتشدق بحقوق الإنسان؟. غزة الغارقة في دمها، المتفجرة بالصرخات، تئن، ولا مجيب. أطفال غزة لا صوت لهم، ماتت صرخات الهلع على وجوههم، رجال ونساء غزة يستجيرون من الجحيم، فيأتيهم جحيم آخر، يبحثون عن الحياة، فيتعجلهم، لا يوجد إلا اختيار واحد هو الموت، وسط ليلٍ قاسٍ ونهار هارب وتواطؤ جبان، أصبح للموت إيقاع وصورة، والفلسطينيون أصبحوا شظايا على تراب الطرقات، لا دماء تجففها شمس، ولا صرخات يطويها ليل، لم نسمع زغرودة أم الشهيد، فلا وقت لإعداد جنائز العرس، ولا نشيد يشيعهم، ولا ريحان يُنثر عليهم، ولا رفاق طريق يودعونهم، فالوطن أصبح مقبرة جماعية مفتوحة.
خمسة وسبعون عامًا، منفى وشتاتًا وقتلًا وإبادة، كأنهم يعيشون مسرحية هزلية قيد التأليف، فصولها تتوالد مع الزمن، يحملون على أكتافهم كل ما في غيوم السماء من حزن، خمسة وسبعون عامًا دون أن يحصلوا على اعتراف واحد بأنهم مواطنون لهم أرض وهوية سُرقتا منهم، خمسة وسبعون عامًا والسفاحون ينخرون في عظامهم، ويسوغون الإرهاب والعنف والقتل الوحشى والمذابح تحت غطاء عقدة الكبت التاريخى النازى، أصبح التمسك بالوطن يهدد أمن المغتصب، فسرقوا ضحكة الأطفال، واغتالوا طفولتهم الخارجة من قاع الأسطورة، الأطفال الذين يحلمون بحضن دافئ وحكايات خيالية، باتوا أعداء السفاحين والقتلة لأنهم يعرفون أنهم عندما يكبرون يطالبون بوطنهم المسروق والمغدور.
في غزة الآن مات القمر، وانتشر فحم الليل، واختلطت الفصول، وانحنت الجبال للعاصفة، وغرق وجه الوطن في أفق مشرب بالدماء، والصهاينة وحلفاؤهم يكذبون، ويعرفون أنهم يكذبون، ويعرفون أننا نعرف أنهم كاذبون، ولكنهم يصدقون كذبتهم، ويريدوننا أن نصدقها بسذاجة، وباسم هذا الكذب مارسوا مذابح عمرها خمسة وسبعون عامًا، جرائم ضد الإنسانية، متمثلة في الفصل العنصرى والاضطهاد والإبادة الجماعية البشعة، وكلما فشلوا سياسيًّا وعسكريًّا يتوغلون في الوحشية والإبادة، وآخر مذابحهم ما حدث الأسبوع الماضى عندما سحبوا الشباب، الذين تزيد أعمارهم على خمسة عشر عامًا، وأعدموهم بدم بارد، بعد أن أجبروهم على خلع ملابسهم عنوة أمام أعين الأطفال والنساء، مثلما حدث في دير ياسين وكفر قاسم والطنطورية والدوايمة، نفس طريقة التنكيل والقتل. أيها العالم الغارق في دم الفلسطينيين استيقظ!!.