بقلم:عزة كامل
فى ليلة عجيبة من ليالى اكتمال القمر، تسللت إلى شرفة منزل «أنهار» فى الطابق الأرضى، وكانت تطل على حديقة صغيرة مهملة نبتت فيها أعشاب وزهور برية، وجدت القط الأسود الذى حدثتنى عنه «أنهار» كثيرا، وتعتبره حارسها الخاص، كان مستلقيا فى الحديقة يهز ذيله، وعيناه الخضراوان مثبتتان على شرفة «أنهار»، وكأنه يتلصص عليها، و«أنهار» تقف منتصبة تنظر عبر زجاج نافذة الشرفة بثبات.
لم أغامر من الاقتراب من القط، ولكنى تشجعت وأخذت أسير نحوه ببطء، وفجأة وقف منتصب القامة، شامخا بأرجله الطويلة، وجسمه الممشوق، ونظراته الحادة، وكأنه شعر بالخطر من وجودى المفاجئ، وبدأت عيناه تشعان بريقا غريبا، وتصدر منه أصوات مواء مفزعة، تراجعت بسرعة وذهبت إلى «أنهار»، قلت لها: «لقد رأيت القط الأسود فى الحديقة»، قالت لى وصوتها مفعم بالوداعة: «إن روح جدى تسكن هذا القط، وإن الملائكة تتلبسه، لأنه مسكن لكل الأرواح الطيبة، إنه الحارس الروحى لى ولبيتى، إننى أشعر بالطمأنينة عندما أراه»، وفجأة انقلبت ملامح وجهها، واصطبغ بلون أصفر وقالت: «تتصورى جارتى الشريرة التى تسكن فى الدور العلوى تتشاءم منه، ويصيبها الرعب عندما تسمع نونوته، ونشرت إشاعة بين جيران الشارع أن الشيطان يسكن جسد القط، وقد ضبطتها أكثر من مرة تطارد القط وتحاول أن تؤذيه، وتستولى على الطعام الذى أضعه له».
مر شهر بعد حوارى هذا مع «أنهار» وفى ساعة غروب سمعت جرس الباب لا يتوقف عن الرنين، فذهبت مسرعة وفتحته فوجدتها فى حالة بكاء هستيرى، وانهيار تام، وفهمت منها أن جارتها الملعونة خطفت القط، وفتشت عنه فى كل مكان ولم تجده، وهى متأكدة أنها هى التى خطفته، فهى تكرهه، وتعتبره قطا ملبوسا بالشياطين، وذهبت كل محاولاتى لتهدئتها أدراج الرياح.
خرجت «أنهار» وكل جسمها ينتفض، والغضب يتملكها، أسرعت خلفها، فوجدتها تحفر فى أرض الحديقة بأصابعها، ثم صرخت صرخة حادة وهى ممسكة فى يدها بشىء لم أنتبه له إلا عندما اقتربت منها إنه «ذيل القط الأسود»، وكانت «أنهار» تردد: الجارة الملعونة قطعت ذيله، علشان تسحر به للناس، يا رب ما تكون ذبحت القط، وفجأة قطع كلامها صوت مواء قادم من بعيد، إنه القط الأسود يؤرجح ما تبقى من ذيله المقطوع، اقترب منا وجلس على مؤخرته فى هدوء، وعندما حاولت «أنهار» أن تلتقطه من الأرض وتضمه بذراعيها، اختفى القط ولم نر إلا رجلا عجوزا يشبه قطها يقف فى نفس مكان القط.