بقلم - عزة كامل
عقود كاملة من نقص المعلومات وتزوير وتشويه لقضية فلسطين، أدت إلى أحكام جائرة وعشوائية، وازدادت الخلافات الفلسطينية وتوظيفها ضد القضية نفسها، بالإضافة إلى محاولات أطراف عديدة لعزل المقاومة الفلسطينية وسحق قواها، وقد أثبتت الأيام والوقائع أن الشعب الفلسطينى لا بد أن يقاوم اليوم وغدا، إذا أراد استعادة وطنه.
لقد تحول صمود الشعب الفلسطينى إلى أسطورة، والقضاء على الأسطورة أمر شاق ومستحيل، الأسطورة التى ترتكز فى جوهرها على الإيمان بـ«الحياة من خلال الموت»، الفلسطينى يدفع الموت كفدية من أجل الخلاص، والجديد فى الأسطورة الفلسطينية، أن الفلسطينى الذى ينتظر الموت فى أى لحظة يقول أنا «هنا»، وهذه بلادى وتلك هويتى، ويترك جسده للسياط والصلب، ويحول مكان صلبه لساحة ينشد بين ركامها أغنية الدم ويلعن الجلادين، إنه يقدم على الصلب فى سبيل الحياة الجديدة التى يريدها لفلسطين.
إنها أسطورة الحياة التى تولد من الموت، والتى تعاش جماعيا، إنها قناعة بأن فلسطين ستعود أقوى مما كانت، وهذا ما يجعل الكفاح الفلسطينى متفردا، وفى المعركة يولد الأطفال رجالا ونساء، وتنمو معهم طبيعة مقاومة العدوان والتحدى، وهم يجابهون الاعتداء على وطنهم وشعبهم وأرضهم، والتى تتحول إلى حدث يومى وجزء من الحياة اليومية، ومنذ طوفان الأقصى تفجرت القضية الفلسطينية بقوة، ووضعت فى بؤرة العالم، وأصبحت فلسطين الأرض والبشر والتاريخ، وتم فضح الأكاذيب الصهيونية، ووجدت صرخة الشاعر محمود درويش صداها، والتى أطلقها منذ عقود «نحن لم نبحث عنه..، عن هذا الوطن فى حلم أسطورى وخيال بعيد، ولا فى صفحة جميلة من كتاب قديم، نحن لم نصنع هذا الوطن كما تصنع المؤسسات والمنشآت، هو الذى صنعنا، هو أبونا وأمنا، ونحن لم نقف أمام الاختيار، لم نشتر هذا الوطن من حانوت أو وكالة، ونحن لا نتبناه، ولم يقنعنا أحد بحبه، لقد وجدنا أنفسنا نبضا فى دمه ولحمه ونخاعا فى عظمه، وهو لهذا لنا، ونحن له».
هذا الخطاب وجهه درويش لأبناء وطنه الذين يقامون اللصوص، وخاطب به الصهاينة اللصوص الذين اخترعوا لأنفسهم وطنا، استنادا على حلم أسطورى زائف، صرخة محمود درويش مازال العالم يسمعها، واستطاعت تحريك ضمائر الشعوب، وها هى جنوب إفريقيا وأحفاد نيلسون مانديلا ينتفضون لفضح التوحش، والتعصب الصهيونى البشع والإبادة الجماعية، وترتفع أصواتهم تحت سقف المحكمة الجنائية الدولية بإدانة إسرائيل، ليؤكدوا للعالم أن قضية فلسطين حية، عادلة لا تقهر، وشمسها ليست بعيدة أبدا، رغم أنف كل الكارهين.