بقلم:عزة كامل
مضى على زواج «أنهار» من «ليل» ثلاث سنوات، ولم ينجبا، طلبت منى أن أذهب معها إلى الطبيب الذى طلب إجراء بعض التحاليل الطبية، وأخبرها: «للأسف أنت عاقر، ولن تستطيعى أن تنجبى»، ونصحها أن تقوم هى وزوجها بتبنى طفل من دار الأيتام، وكانت عينا «أنهار» تطقان شرارا، ورأيت الذعر فى عين الطبيب.
سحبتها من يدها وخرجنا، وقالت بصوت آمر: دعينا ننتظر خلف هذه الشجرة حتى يخرج الطبيب، ولم أفهم ماذا تريد، ولم يطل انتظارنا، فقد كنا آخر الزبائن، توجه الطبيب إلى سيارته، وكانت آثار أقدامه واضحة، لأن الأرض طينية أمام العيادة، تحركت «أنهار» بسرعة، وكانت فى قبضتها عدة مسامير صغيرة، وكانت آثار أقدام الطبيب واضحة على الأرض الطينية المبللة، وقامت بغرز المسامير فيها.
فى اليوم التانى علمت «أنهار» من الممرضة أن الطبيب كسرت قدمه، فصنعت «أنهار» دمية من القطن فى حجم الطفل المولود حديثا، وأطلقت عليها اسم «حلم»، وكانت تضمها بين ذراعيها، وتلقمها ثديها، وتضعها فى سرير أعدته خصيصا لها، استحوذ عليها هوس الدمية، وهزل جسمها، فقد كانت تنسى أن تطعم نفسها معظم الوقت، و«ليل» لم يكن يهتم بصحتها، وكان يقضى معظم أوقاته خارج البيت، كل غروب شمس تصعد إلى سطح العمارة، وتضع على السور خبزا وملحا، ثم تضع على رأس الدمية صحنا به سبع حبات، ثم تصيح بأسماء الملاك الحارس للدمية، وتهز الصحن بقوة بيدها حتى تتساقط كل الحبوب على الأرض، ثم تضع قطعا من الفحم فى الصحن، وتشعله، ثم تقوم بإلقاء التعاويذ.
وبعد الانتهاء منها تأخذ الدمية وتنزل إلى شقتها، وتقوم بوضع بيض ملون على السرير، وتحرص أن تبتعد كل بيضة عن الأخرى مسافة صغيرة، وتضع الدمية على السرير بعد كل هذه الطقوس. فى أحد الأيام دعتنى لبيتها للاحتفال بعيد ميلادها، أحضرت لها هدية، وكانت المفاجأة أنها أخبرتنى أن اليوم ليس عيد ميلادها، إنما هو عيد ميلاد ابنتها «أحلام» الدمية، ذبحت دجاجة، ووضعت بعض قطرات من دماء الدجاجة على شعر الدمية وعلى وجهها، وكانت ترتدى ملابس مقلوبة، وطلبت أن أفعل مثلها، وأشعلت عدة شموع، وركعت أمامها بعد أن وضعت الدمية فى حجرها، ثم قامت بحرق ريش الدجاجة، وأخذت تبكى، وإذا بشىء مفاجئ جعلنا نقف مذعورتين، ونبحلق فى الدمية التى كانت تهتز وتفلت بين يدى «أنهار»، وأخذت ترتفع فى السماء حتى اختفت.