بقلم:عزة كامل
كانت الحكايات القديمة تفتح الشرفات والنوافذ على فرح غامض، تتذوقه على مهل ولا تستعجل الزمن، حكايات تغزل خيوط الشمس وتذيب عتمتنا، وتجعلنا ننتشى، ونحن نصغى إلى شخوص وأرواح هائمة خلف حجاب الدهشة، ونشعر أن رذاذا ملونا يبللنا وينعشنا، ونتخيل أننا نطير على بساط الريح وهو يحملنا إلى عوالم وأساطير وبحار وقباب وقصور وغابات وصحراء ووديان وحدائق غناء، وغيلان وأشرار ونبلاء، حكايات تحمل فى طياتها الانبهار والجنون، وعندما كنا نغوص فى النوم، نحلم ونركض فى الحلم الأزرق الكاذب، وعندما كبرنا صار الحلم عصيا، ولم يبق إلا الشغف والحنين لحكايات قديمة طفولية.
أما الحكايات الجديدة، فهى عديمة الخيال وساذجة وزائفة، أما الحكايات الحقيقية التى نراها فهى حكايات دامية، نهارها يعج بشخصيات موحشة الروح، وليلها قرصان أسود، حكايات تمتلئ شوارعها وبيوتها بالعتمة، حتى الأحلام أصبحت حمراء مشوشة، ومثقلة بالأنين والصراخ، وآهات القلوب النازفة وأطياف معذبة، وأنا أركض فيها هربا من تلاطم الأمواج الغاضب والإعصار المدمر، وتتخمر ألوان الغدر المريرة فى إيقاعات لاهثة، والليالى التى لا قرار لها تتوالد، وبرك الدم وشعلات الجمر تتزايد كأنها الجحيم، لا شىء سوى الانتقام والإبادة، وسحق المدن والمنازل، والمزيد من برك الدم.
الحلم الأزرق الكاذب عصى على زيارتى كأنه سلّم نفسه بدون مقاومة للحلم الأحمر الدامى، وفى هذا الكابوس أحاول اليقظة والهرب من نداءات الشر وموجات الجنون، ومن ادعاء كثيرين أنهم يحاربون من أجل العدالة، والهرب ممن يبحثون عن معجزة أو سر إلهى، لكنهم كاذبون، ويعرفون أنهم كاذبون، أما أبناء الشيطان الذين يدمرون العالم يمرحون ويرفلون فى النعيم، ويقهقهون على معاناة البشر الدامية، تبلد ووقاحة وخطة تفيض من عيونهم وأجسادهم بالكارثة، إنهم سارقو الأرواح، الحلم الأحمر الدامى يحرق أحشائى، يخنقنى بقسوة، إنها لعنة الجحيم الأبدية، كأن أرواحنا قفزت إلى سفينة ملأى بالتعب والعذاب، كأننا نعيش فصلا من الجحيم تنسكب فيه أرواح شياطين، وتحترق فيه أرواحنا.
أيها العالم.. بأى أكاذيب تنطق، وأى عدالة تنشر، والأطفال بلا ملاجئ ولا كساء ولا طعام، إنهم عرايا تماما، يفترشون الأرض المليئة بجثث ذويهم، وتتأجج من حولهم نيران الموت والحقد والفجور والتعاسة والرغبات المتوحشة، والهوس الفطرى بالدمار، والشياطين حولهم لا ترحم توسلاتهم، أشتاق للحكايات القديمة، وضوء القمر والبحيرة المسحورة ومغامرات الغابة والطيور الناطقة والطفولة البريئة، أيها العالم البشع الذى يتسلى بنا بلا رحمة، أيها العالم الباعث على الشفقة، كم أنت قبيح وزائف.