بقلم:عزة كامل
تصادف عيد ميلادها الستين مع أول يوم لها فى«دارالمسنين»، كانت هذه الدار واحة فى الصحراء، تطل على حديقة كثيفة الظلال، بها أشجار متنوعة الأشكال، لكن لم تكن بها شىء دافئ كالدفء الذى كانت تشعر به فى بيتها ذى الشرفات الواسعة الذى قضت فيه أكثر من أربعين سنة، وزادت من وحشة هذه الدار تلك البنايات الرمادية المعتمة والمتناثرة خلف الحديقة، حاولت أن تبعد تلك الوحشة عن قلبها، استيقظت بعد نوم قلق تحت وطأة سكون مطبق كسكون القبور.
تراءى لها أن عمرها ينقضى، وفى الأعوام الأخيرة أصابتها الشيخوخة، قبل الآن بسبع سنوات فى صباح ذلك اليوم انتبهت أن زوجها لم يوقظها، فقد اعتاد أنه يستيقظ بعد الفجر بقليل، وبعد أن يحصل على حمام بارد، ثم يذهب إلى الحديقة ليروى الزرع ويمارس رياضة المشى ثم يأتى ليستلقى بجوارها ويوقظها لتناول الإفطار، ويذهب إلى عمله، بحثت عنه فى البيت والحديقة، فلم تعثر عليه، ذهبت إلى أقسام البوليس والمستشفيات ولم يكن هناك، رحل عنها ولم يترك لها رسالةً، وبعدها ظلت تحيا حياة امرأة وحيدة، ربما استهجنتها، وشعرت برعب هائل، وفقدت رغبتها فى الحياة، وأصبحت تعيسة لا تنشد سوى الرحيل.
كانت متعة البكاء كل ما تبقى لها من محاولة التكيف مع الوضع الجديد، تعرضت أكثر من مرة لعملية سطو، وفى آخر مرة نجت بأعجوبة من اللص الذى حاول ذبحها، فقد أنقذها صوت الجنانينى الذى يأتى مبكرا ويوقظها لمباشرة عمله فى الحديقة، جعلها ذلك تفكر فى أن الأمور لابد لها أن تسيرعلى أسوأ وجه إذا اضطرت أن تمكث فى منزلها وحيدة، ولأول مرة لم تداخلها رغبة فى البكاء، وقررت أن تذهب لكى تعيش فى دار مسنين.
عند دخولها مكانها الجديد، شعرت بنظرات الآخرين إليها، فعمرها لا يوحى باحتياجها للسكن فى الدار، عندما فاقت من تأملها، لمحت شخصا يجلس فى الحديقة على مقعد متحرك، وبجواره التومرجى، اندهشت وقالت: «من العبث أن أعتقد فى الأشباح، أو أن أرى أطيافهم»، ارتعدت فرائصها، وتحركت بخطوات بطيئة تاركة الشرفة إلى الحديقة، وعندما اقتربت من الرجل صرخت بقوة وهى تنظر إليه: «إنه زوجى.. نعم زوجى وفقدت القدرة على الكلام »، أخذت كفه ووضعتها بين كفيها، وطوق رنين نشيجها أغصان الأشجار واستسلمت لبكاء غاضب وحزين.