توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأوصياء يتكاثرون علينا

  مصر اليوم -

الأوصياء يتكاثرون علينا

بقلم:عزة كامل

فى آخر الليل هاتفت صديقتى فى بيروت للاطمئنان عليها، قالت لى: «أنا بخير، اطمئنى، جسدى بخير، ولكن روحى عاطبة لا تجيد قراءة هذا الواقع، كل ما أعرفه أننا منفيون فى وطننا أو ضيوف عليه، الموت يحلق فوقنا، جف الكلام، وخرس اللسان، وفرت الشوارع التى كانت تحملنا، ولم يبق إلا النفق المظلم، وأصبح الخوف نديما، والوجع رفيقا، والدم يمشى فوق الغمام».

ساد صمت للحظات بيننا، وسألتنى وماذا عنك صديقتى؟، قلت لها: «رأسى ثقيل وثمل كأنما أقضى الليل كله فى غابة مظلمة، محاطة بأصوات عواء الذئاب، وفحيح الثعابين، ونعيق الغربان، بعدما تخلى عنى رفاق الرحلة، شىء ما يتحرك فى صدرى وينثر تلك المرارة، ثم يصعد إلى حلقى كالغثاء، أرتعش كالمحمومة، أتجمد خوفا، أسمع صوتَ مخنوقٍ، جسدى كله يرتجف، فالسماء سوداء باكية، لا أحد يجرؤ على إيقاف شلال دموعها، وأنا أنظر إليها، تجيش فى صدرى كل الأحاسيس الموحشة بالحنق والكراهية والمهانة والخجل والغل والسخرية والمرارة، إنه طوفان قبيح كالرذيلة، كعروس هزلت وشاخت قبل عرسها، أو امرأة حفرت الأيام على قلبها الكثير من الخيبات، وحيدة كالعصا الضعيفة فى مواجهة ريح عاصف، فوضى واضطراب، خليط بائس متنافر فى وسط هذا الخواء والظلام البارد الصارم، رأسى يكاد ينفجر، هذه هى مشاعرى وحالتى الآن يا صديقتى».

أنظر إلى السماء المظلمة، أريد الصراخ بكل قوتى ضد ذلك الظلم، ولكن صوتى المبحوح يمنعنى، العالم حفرة سوداء صماء، ليس هناك إلا الهذيان والخداع ومن يلعبون أدوار المهرجين والمفسدين وتزوير الحقائق، كرهت الأوجه الباكية والحزن والأنين والنحيب عويل الأرامل والثكالى، وذلك الابتذال المأساوى القذر الذى يحيط به كل حقارات الحياة، ابتذال يتغلغل بقسوة فى عقولنا ودمائنا، يمثل امتهانا حقيرا لكل ماهو إنسانى طبيعى، ينشر فحيحه الكريه، وينفث سمومه فى الدنيا كلها، كابوس شيطانى أرعن، الحرب، الحرب، الخراب والدمار، صورة بائسة باهتة للمآسى الكارثية، رغم أننا نوهم أنفسنا بأن «القادم أحسن وأفضل، ستتحسن الأحوال وستتحقق الأحلام»، ولكن القادم نراه يضيع، وتسرق منا أحلامنا وأصواتنا وأرضنا وتاريخنا وهويتنا، ولا تبقى إلا الأساطير والتراجيديا المكررة، ما بين البحر والصحراء الموحشة، وحروب السماء الشرسة، وأرواح مدججة بالغضب وأجساد قابلة للانفجار، ونمتهن الموت، ويصبح الأحياء محرومين تماما من أراضيهم وسمائهم، والموتى محرمين من أن يدفنوا فى قبورهم، اللحم العربى يتشظى بتفاقم، والأوصياء يتكاثرون، والجبناء يوقعون على صك البيع والمبيعة والإبادة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأوصياء يتكاثرون علينا الأوصياء يتكاثرون علينا



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon