توقيت القاهرة المحلي 20:16:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دراجة للذكرى

  مصر اليوم -

دراجة للذكرى

بقلم:عزة كامل

فى فجر ذلك اليوم كان يشعر بالحيرة والوحشة، تهالك على الفراش مستلقيًا على بطنه دون خلع حذائه، تذكر أمه وهى تتحرك كالفراشة فى حفل عيد ميلاده التاسع، وهى ترحب بالضيوف وأطفالهم، وفجأة بعد أن أعطته هى وأبوه هديته، دراجة، فقدت أمه وعيها، اقترب من جسدها الذى أصبح كتلة باردة وشفتاها فقدت نضارتهما، وعندما أراد أن يذهب معها إلى المستشفى، سحبته عمته من يده وأمرته أن يمكث فى البيت.

ظلت عيناه مسمرتين عليها حتى اختفت فى سيارة الإسعاف التى حملتها، لم يدْرِ ماذا يفعل بعد أن أغلقوا أبواب ونوافذ البيت، مكث فى فراشه يتقلب دون أن يجد مَن يصغى لخوفه من فقد أمه، فى اليوم التالى أيقظته عمته وهى ترتدى السواد، كان اليوم أطول أيام عمره قسوة، يومًا خاليًا من الحياة والحب، لن ينسى ما تبقى من عمره مشهد جنازة أمه عندما هبت زوبعة شتوية جعلت النعش يكاد يسقط، وأطاحت الزوبعة بأغطية رؤوس السيدات المنتظرات، وطوحت الريح بالأجساد وكأنها تحتج على رحيل الأم.

وجد نفسه ينزع يده من قبضة أبيه، وأطلق كل شحنة غضبه فى الفضاء حوله صارخًا: «سوف أقتله، سأقتل الموت»، تحلق حوله عدد من الرؤوس، وانتشلوه فى محاولة بائسة لمقاومة الزوبعة، وهو يلقى بنفسه على التابوت، لقد تغير كل شىء بعدها، فالوقت الذى كان يستمتع به مع أمه وأبيه فى المنزل أو فى المصيف لم يعد له وجود، التزم أبوه الصمت، وأصابته الكآبة، إلى أن غادر الدنيا بعد سنوات عديدة من المرض، وأصبحت الدراجة التى أهدتها له أمه يوم ميلاده هى الصديق الأوحد له، حتى عندما اصطحبها معه بعد ثلاثين سنة من وفاتها، ووقف أمام قبرها بهيئة رثة يشاهد حارس الجبانة، وهو يلملم رفات أمه ويكومها فى كيس بلاستيك أسود، محاولًا أن يطرد ثلة من الكلاب الهزيلة الضالة التى تجمعت حول الكيس.

كانت تلك إحدى المرات التى شعر فيها بالقهر وقلة الحيلة منذ أبلغوه بإزالة الجبانة التى ترقد فيها أمه، وبينما هو منهمك فى مراقبة الكيس هبت زوبعة شديدة قاسية تحمل فى طياتها نذرًا قاسية حركت الكيس بقوة، وأخذ يجرى وراءه، وسط صفير حاد وشديد، انفجر الكيس وتبعثر رفات أمه فى الهواء، ولأول مرة يشعر بصفاء غريب حرر نفسه كما تحررت أمه الآن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دراجة للذكرى دراجة للذكرى



GMT 19:51 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الموازنة والـمئة دولار !

GMT 09:00 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 08:25 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 08:24 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

GMT 08:23 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحاديث الأكلات والذكريات

GMT 08:23 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 08:21 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 08:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

جرعة تفاؤل!

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon