بقلم:عزة كامل
فى فجر ذلك اليوم كان يشعر بالحيرة والوحشة، تهالك على الفراش مستلقيًا على بطنه دون خلع حذائه، تذكر أمه وهى تتحرك كالفراشة فى حفل عيد ميلاده التاسع، وهى ترحب بالضيوف وأطفالهم، وفجأة بعد أن أعطته هى وأبوه هديته، دراجة، فقدت أمه وعيها، اقترب من جسدها الذى أصبح كتلة باردة وشفتاها فقدت نضارتهما، وعندما أراد أن يذهب معها إلى المستشفى، سحبته عمته من يده وأمرته أن يمكث فى البيت.
ظلت عيناه مسمرتين عليها حتى اختفت فى سيارة الإسعاف التى حملتها، لم يدْرِ ماذا يفعل بعد أن أغلقوا أبواب ونوافذ البيت، مكث فى فراشه يتقلب دون أن يجد مَن يصغى لخوفه من فقد أمه، فى اليوم التالى أيقظته عمته وهى ترتدى السواد، كان اليوم أطول أيام عمره قسوة، يومًا خاليًا من الحياة والحب، لن ينسى ما تبقى من عمره مشهد جنازة أمه عندما هبت زوبعة شتوية جعلت النعش يكاد يسقط، وأطاحت الزوبعة بأغطية رؤوس السيدات المنتظرات، وطوحت الريح بالأجساد وكأنها تحتج على رحيل الأم.
وجد نفسه ينزع يده من قبضة أبيه، وأطلق كل شحنة غضبه فى الفضاء حوله صارخًا: «سوف أقتله، سأقتل الموت»، تحلق حوله عدد من الرؤوس، وانتشلوه فى محاولة بائسة لمقاومة الزوبعة، وهو يلقى بنفسه على التابوت، لقد تغير كل شىء بعدها، فالوقت الذى كان يستمتع به مع أمه وأبيه فى المنزل أو فى المصيف لم يعد له وجود، التزم أبوه الصمت، وأصابته الكآبة، إلى أن غادر الدنيا بعد سنوات عديدة من المرض، وأصبحت الدراجة التى أهدتها له أمه يوم ميلاده هى الصديق الأوحد له، حتى عندما اصطحبها معه بعد ثلاثين سنة من وفاتها، ووقف أمام قبرها بهيئة رثة يشاهد حارس الجبانة، وهو يلملم رفات أمه ويكومها فى كيس بلاستيك أسود، محاولًا أن يطرد ثلة من الكلاب الهزيلة الضالة التى تجمعت حول الكيس.
كانت تلك إحدى المرات التى شعر فيها بالقهر وقلة الحيلة منذ أبلغوه بإزالة الجبانة التى ترقد فيها أمه، وبينما هو منهمك فى مراقبة الكيس هبت زوبعة شديدة قاسية تحمل فى طياتها نذرًا قاسية حركت الكيس بقوة، وأخذ يجرى وراءه، وسط صفير حاد وشديد، انفجر الكيس وتبعثر رفات أمه فى الهواء، ولأول مرة يشعر بصفاء غريب حرر نفسه كما تحررت أمه الآن.