بقلم:عزة كامل
ما ألذ الاستغراق فى اللاشىء، هكذا أتمنى، لكن كيف يحدث ذلك وكل حواسى متيقظة ونشطة، وقلبى لا يخلو من الهواجس، ومهابة الأحداث تداهمنى دومًا، وتجعل الحلم يتقشف أمام قليل من الأمل، والتشبث بنبوءة عاطفية يشحب أمامها الضوء، وتتبعثر خواطر، ويموت خيال، وتغلف الذاكرة بوتيرة الحرمان والبؤس والحسرة والفقد؟.
فالعالم ينفجر، ينام ويصحو ويغزل خيوط التمدن المغموس بالدم، فقط الأقوياء الذين يصنعون مصطلحاتهم:
(الحرب والسلام والإرهاب)، ويرسمون خرائطهم الفجة، ويمحون أسماء أوطان ويستبدلونها بأخرى، ويروجون ملكيتهم لها، فالقوى من حقه أن يقتل شعبًا آخر، وليس من حق هذا الشعب أن يدافع عن أرضه وعن كرامته وحريته، وينقلب ميزان العدل ليرجح كفة المعتدى المغتصب، حتى لو احتج الرأى العام العالمى للشعوب، الذى يمثل الضمير الإنسانى.
لا يهم القتل أو الإبادة أو التهجير أو اللجوء مادام هناك مَن يمتلك القوة والعتاد والسلاح والمال، ويلعب بالمصائر كأنها دمى خشبية، ويغتصب الأوطان، وتصبح مقاومة العدو خيانة وإرهابًا، ولا تمتلك الشعوب المدججة بالغضب إلا الانفجار، ورغم ذلك فهم ممنوعون من الانفجار، فإذا حدث ذلك، يكون مصيرهم المزيد من المحو والإبادة والتهجير، والمزيد من إجبار الآخرين من الدفاع عن أمن وحدود العدو المغتصب.
خمسة وسبعون عامًا من محاولة إعلان الوجود، ومن المجازر ومن تصفية القضية والتجويع والحصار، ومع ذلك فمازال العدو خائفًا ومرعوبًا لأن أحلامه مازالت بعيدة عن التحقق، ولأن طفلًا فلسطينيًّا واحدًا يرفع علامة النصر كفيل بأن يعكر مزاجه ويقلق راحته، ولأن أمًّا فلسطينية واحدة تزغرد على جثة ابنها الشهيد قادرة على أن تشعل غضب العدو، وتُذكره بأنه مغتصب، فخلف السياج دروب صغيرة، وفى وسعها تعليم الصغار لغة الأشياء، فهم قطيع الغزال المطارد الذى يحمل عبء قلبه الحذر، وفوقهم يحلّق قمر حول أصداء الليالى القديمة، يرفعهم إلى حلم لم يصلوا إليه بعد، الحلم الذى يعبر فيه الحنين والشغف والتمنى والتاريخ ويطير بهم، كل شىء هنا يشبه خيوط العنكبوت، ظلالهم تمشى على الماء وتفيض عن المعنى، وأرواحهم عصافير تعتلى الشجر المورق والعالى، وغيمتهم حبلى دائمًا بالحياة ترتفع فوق التلال، والساعة تسرع دومًا فى دقاتها، لتصبح أسماؤهم حروفًا على دفتر الليل، هؤلاء هم أطفال فلسطين، العصافير المهاجرة التى ستعود لتعيد إلى الوطن معالمه، وتفتح أبواب جهنم لتلتهم أثر المغتصبين، أطفال فلسطين الذين أصبحوا الشاهد والمشهد يحملون الحنين والمغامرة، ويركضون نحو بلادهم بلا مظلة أو أقنعة