بقلم:عزة كامل
فى السابعة مساء تماما، توقف المصعد عند الطابق الأخير، فتح لها الحارس، وما كادت تخطو خطوتين حتى لفحتها رائحة ذكية، اتجه ناحيتها، جذبتها وسامته، قطع صوته تأملها وهو يقول لها: «سعيد إنك قبلتى دعوتى»، لم تتوقع أنها ستلتقى بشخص اقترحته عليها صديقتها، تغير كل شىء، كانت على أهبة الاستعداد لفتح قلبها، وتقبل هذه الطريقة التقليدية التى رفضتها كثيرًا.
اصطحبها إلى المطعم فى نهاية البهو، كانت قد دخلت ذلك المكان من قبل عدة مرات مع صديقات لها، وكأن ريحا شريرة عصفت بهن، الضوء الخافت وموسيقى عازف الكمان أعطى مسحة رومانسية على المكان والأشخاص، انتبهت أن خاتم الزواج مازال فى إصبعها، قامت بنزعه، أدركت لأول مرة أن هذا الخاتم جعلها سجينة لسنوات تجاوزت العشر.
كانت على يقين من أنها تحرر نفسها الآن، شىء ما جال فى ذهنها جعلها تكتشف أن أحلى سنوات عمرها سرقت منها بعد أن هجرها زوجها، وتزوج صديقتها، لقد أخلصت له واعتقدت أنهما يحبان بعضهما بنفس القدر، ثم هجرها بلا حب، ورحل دون أن يودعها، أو يبرر سبب إصراره على الرحيل، لقد تخلت عن أحلامها كمغنية، وكرست نفسها له ولطفلهما الوحيد، ولم تكتشف خيانته وخيانة صديقتها إلا بعد رحيله من البيت بعدة أيام، ثم دخلت فى اكتئاب حاد، وإدمان للأدوية المهدئة، واعتزلت الحياة والناس، وأهملت طفلها وتركته عند أمها.
كانت رحلة علاقتها بزوجها الخائن معقدة ومركبة، لم تصدق نفسها وهى تجلس فى ميعاد غرامى مرتب مع رجل ستتعرف عليه لأول مرة، حاولت أن تعطيه انتباهها، لكنه لم يتوقف عن الكلام عن نفسه طوال اللقاء، شعرت وكأن الزمن نسى أن يحنّ عليها وأوقعها فى نفس الفخ، شعرت أن هناك سلاسل تلتف حول عنقها مرة أخرى، وفكرت فى أن رجلا ثرثارًا على هذا النحو، وبتلك النرجسية لن يعطى لها أى متنفس مستقبلى، وبدون إرادة منها، وقفت معتذرة بعد أن وضعت خاتم زواجها على المنضدة أمامه، وذهبت دون أن تشكره على ما تكبده من عناء لتدبير هذا اللقاء، ودون أن ترى علامات الدهشة والغيظ على وجهه، وفى المصعد فتحت عينيها بقوة، وعدلت من هندامها، وأرجعت شعرها للخلف وابتسمت، وكان جسدها يتنفس عبقا أصابها بخدر لذيذ، ومشت بثقة لم تعهدها فى نفسها من قبل، والشىء الذى كانت متأكدة منه، أن هذا اللقاء هو من اللقاءات التى ستختفى من الذاكرة.